الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

المثقف والمجتمع لدكتور عبدالرحمن الزنيدي


بسم الله الرحمن الرحيم
مادة الثقافة الإسلامية
ماجستير - المستوى الأول
د: عبد الرحمن الزنيدي
الموضوع : البرنامج العام
بتاريخ 19/10/1429هـ
هدف المادة بالنسبة للمرحلة الجامعية : هو بناء شخصية الطالب المسلم إسلاميا وتعريفه على العصر
هدف المادة بالنسبة لمرحلة الماجستير : هو أن يتجاوز طالب العلم وطالبة العلم سواء كان شرعيا أو لغويا أو إنسانيا أو اجتماعيا دائرة تخصصه نحو الواقع الإسلامي للعمل الثقافي فيه بمعنى انه إذا نظر في تخصصه سيكون شبه منعزل بينما إذا أصبح دكتور يطلب منه دور في المجتمع من خلال مشاركة في صحيفة أو مجلة أو برنامج تلفزيوني أو إذاعي أو ندوة أو مؤتمر ثقافي أو غير ذلك بحيث يكون له دور في مجتمعه ولا يكون غارقا في تخصصه فقط بل يتجاوز دوائر التخصص
ومن هنا لابد لطالب وطالبة العلم أن يتجاوز دائرة تخصصه من أجل بناء النفس ثقافيا وفكريا ويكون مؤهلا لأن يناقش ويحاضر ويقدم ما يخدم مجتمعه بالنافع المفيد في أي وقت وبأي وسيلة شرعية .
.................................................. ..
عناصر المادة :
تتكون من عنصرين فقط
العنصر الاول - المثقف .
العنصر الثاني - العمل الثقافي .
العنصر الأول ينقسم إلى قسمين نظري وتطبيقي
القسم النظري
يشمل التحليل العلمي للثقافة والمثقف من حيث التعريف والعناصر والعوامل التي تساعد المثقف على بناء شخصيته وتميزه الفكري وغيره وتفصيل وظيفة المثقف في مجتمعه وغير ذلك .
القسم التطبيقي
يشمل دراسة المثقف العربي الراهن فهناك مثقفون عرب في واقع الأمة الآن منهم نخبة مثقفة عصر ية ونخبة مثقفة إسلامية فدراسة وتحليل منشأ هذه النخب و إيجابيات و سلبيات كل منهم هو محور هذا القسم.
.......................
العنصر الثاني
هو العمل الثقافي
أو الجهد أو الأداء الثقافي
والمقصود به هو ما يقوم به المؤهل ثقافيا لخدمة مجتمعه عبر القنوات الميسرة له كخطبة بمسجد أو برنامج إذاعي أو تلفزيوني أو مشاركة فكرية أو استشارة ثقافية أو تدريس في ميدان علمي وغيره.
.............................................................

ما هي الأسس التي لابد منها لكي يكون العمل الثقافي جامعا بين الثقافية والإسلامية ؟
قد يكون العمل ثقافيا ولكنه ليس إسلاميا وقد يكون العكس فكيف يكون ثقافيا إسلاميا في نفس الوقت فإنسان ينزع إلى الماركسية أو اللبرالية أو الوجودية ثم يقدم من خلالها موضوع للمجتمع ، هذا العمل ثقافي لكنه ليس إسلامي لأن مرجعيته غير إسلامية .
للمادة جانبا تطبيقيا مثل حلقات نقاش وبحث ومقالات علمية كقضية يختارها الطالب والطالبة ويضع تصور عنها مبني على إستبانة أو إستقراء ثم يحلل هذه الإستبانة وآثار القضية على المجتمع في المستقبل ويكشف كل ما يتعلق بها من سلبيات وإجابيات أو أسباب ثم يرسم البديل المقترح لديه والمناسب لمجتمعه .
.............
مراجع للمادة
1- نظام الإسلام العقيدة
2- ثقافة الداعية يوسف القرضاوي
3- المذاهب الإسلامية والتغير الحضاري محسن عبد الحميد.
4- إسلامية المعرفة المعهد العالي للعالم الإسلامي .
5- أزمة العقل المسلم
6- الخطاب العربي المعاصر
7- المثقف العربي.......... مجموعة مؤلفين
8- المثقف في الحضارة العربية... محمد علي جابر
9- الأنتل جنسي العربية مجموعة بحوث

الموضوع : تعريف الثقافة وعناصر
بتاريخ 27/10/1429هـ

الأمة عندما تريد أن تنهض من أول القضايا التي تعتني بها قضية المصطلحات وكذلك الحال في الأمة الإسلامية من قبل قرنين نهضت وأصبحت تتفاعل مع الغرب فوجت لديه مصطلحات ومضامين تمثل رمز الحضارة مثل الديمقراطية – المجتمع المدني – الحريات فبعض الألفاظ نقلت بلفظها الغربي وبعضها عربت وبعضها ظهرت بلفظها العربي ومضمونها الغربي .
والثقافة كانت من هذا الصنف كذلك الحرية حقوق الإنسان ..الخ
إذا الثقافة لفظ عربي الأصل له مفهوم معاصر
الثقافة لغة : أن تمسك بالشيء وأن تحصل عليه وأن تظفر به .. قال الله تعالى :{ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً }
وللثقافة في اللغة العربية معنيان
التميز الفكري : أن يكون لدى شخص قدرة فكرية تميزه بين من حوله سواء كانت قدرة فطرية أو مكتسبة كموهبة ذكاء أو اكتسبها من البحث والتحصيل الدراسي وهنا نطلق عليه مثقف وكان عند العرب يسمى ثَقِف وثَقِيف وثقافته هي مهارته الفكرية وقدرته المعرفية .
التقويم والتعديل : وهذا المعنى متجاوز أي أنه عمل من الإنسان يمارسه مع غيره والمعرفة قضية إنسانية فالتثقيف سواء كان ماديا مثل عود الثقاف وهو عود مستقيم تربط بها غصون الشجر حتى تصبح مستقيمة .أو التثقيف بمعنى روحي أخلاقي كقولنا الرجل يثقف طلابه والأب يثقف ابنه





حينما جاء ابن خلدون رحمه الله استخدم لفظ الثقافة بنفس المعنى اللغوي ولكن أعطاها نكهة معينة فصور الثقافة أنها تعني قدرة معنوية لغوية وأن الإنسان يتباهى بالكلام والفصاحة والبلاغة فهي حالة مظهرية لدى الإنسان وهذه هي دلالة الثقافة في الحضارة المعاصرة .
في العصر الحديث حين بدء العرب يتفاعلون مع الغرب وجدوا قضايا منها كالتشر وحين أراد المفكرين العرب نقل هذه المعرفة إليهم وضعوا مصطلح ثقافة وأول من أستعمله هو سلامة موسى وقال:" أنا أول من استخدم هذه اللفظة عام 1927م ولم أكن أول من سكها بنفسي ولكني انتحلتها من ابن خلدون إذ وجدته يستعملها ........"
ووضعوا أسماء أخرى مثل لفظة الشاكلة {قل كلُ يعمل على شاكلته }بمعنى نمط حياته ومنها لفظة صبغة {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } ولكن لم تنتشر ولم تبقى ..وتسيدت لفظة الثقافة وبقيت .
ماذا تعني لفظة كلتشر في الفكر الأوربي المعاصر ؟
هناك تعريفات متعددة لهذه اللفظة وغيرها من الألفاظ الغربية والتي تتسم بأنها لا تستقر بل تتطور وليست مثل الألفاظ العربية التي تتسم بثباتها وارتباطها اللغوي والتي تنطلق من الكتاب والسنة ..
الثقافة في مضمونها الحديث وافدة ، فهي تعريب لكلمة caltuer (كالتشر) وتعني تلك الأشياء التي يغلب عليها أنها فكرية أو علمية والتي تعني الإنسان بما هو إنسان.. فالعقيدة والقانون على هذا من الثقافة لأنها تختص بتصرفات الإنسان بينما الطب لا يدخل في مفهوم الثقافة لأنه يتعامل مع الإنسان من جانبه المادي وليس من حيث هو إنسان.
لذلك هناك تعريفات متعددة بشكل كبير للفظة الثقافة عند الفكر الغربي المعاصر ولكن هناك تعريفات فرضت نفسها مثل
تعريف (تايلور Tylor) للثقافة والذي ألف كتاب في القرن 19 -1879م عنونه "الثقافة البدائية" (إنها ذلك الكل المركب الذي يشمل العقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع.)
لو أردنا تقسيم التعريف لوجدنا أن
القسم الأول :هو كون الثقافة كلٌ مركب .
القسم الثاني :عناصر الثقافة (العقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات)
القسم الثالث :التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في المجتمع.
ويمكننا من خلال التعريف السابق أن نضع الملاحظات التالية
1- أن قضايا الثقافة قضايا إنسانية بصفته الإنسانية لذلك قال العقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات ولم يقل الطب أو الكيمياء أو الهندسة لأنها أشياء مادية أما الأخلاق ..الخ هي جانب إنساني روحي أي قضايا ذات بعد إنساني .
2- هذه العناصر متداخلة وليست عناصر مفصولة عن بعضها البعض بل هي بناء متكامل أي كلٌّ مركبٌ وهناك معتقدات تقوم علها قيم .
3- أن هذا الثقافة ليست معارف نظرية أي ليست فلسفة أو فكر مجرد في فكر إنسان أو فيلسوف أو كتاب بل الثقافة حياة جماعية واقع فكري وسلوكي يتحرك به الناس أي علم وعمل مترابطان .
4- أن الثقافة ليست تميز فردي بل هي جماعية بمعنى أن الشخص يعيش الثقافة في ظل مجتمع أو أمة تعيش هذه الثقافة ومن الصعب أن يعيش الإنسان بعيدا عن ثقافته لذلك يعاني المغترب ونجده يبحث عن أقلية أو أسرة تتفق معه في الثقافة ..
5- أن الثقافة بمجموعها تمثل تميزا للمجتمع أو الأمة عن المجتمعات والأمم الأخرى أي أن الأمم تختلف وتتمايز عن بعضها في الثقافات وليس بالجوانب المادية ولا استعمال السيارات ولا الطب التشريحي ولكن بين المسلم والغربي والهندوسي التمايز بالثقافة والعقائد والنظم والأعراف .
والصراع في الحقيقة هو صراع ثقافي وإن تبدى بشكل آخر ولكن الأساسي فيه هي الثقافة جاءت الاستجابة له من خلال السياسة أو العسكرية وغيرها ..
هذا ما يتعلق بتعريف تايلور وهو تعريف له أهميته على الفكر العربي حتى جاء عام 1981م قبل عشرين سنة ظهر تعريف آخر عالمي وهو من وصف المنظمة العالمية للثقافة ( اليونسكو )والتي أقامت مؤتمر من اجل تعريف الثقافة في المكسيك وطلبت من مئات العلماء تعريف للثقافة ومن ثم اجتمعوا ودرسوا هذه التعريفات وبعد ذلك خرجوا بتعريف هو في الحقيقة لا يخرج عن تعريف تايلور في الصياغة ولا يعتبر شيء غريب عن تعريف الثقافة السابق وأطلق عليه تعريف مكسيكو.
تعريف (مكسيكو) (الثقافة هي جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعًا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وتشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات).
هذا هو التعريف العالمي للثقافة والتعريفات التالية لا تبتعد عن إطاره مثل ما جاء في منظمة الإلسكو وهي المنظمة العربية للتعليم والثقافة وكذلك ما جاء عن الاسسكو وهي منظمة الإسلامية للتربية والثقافة
والثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية المتمثلة في العقلانية، والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، فعن طريقها نهتدي إلى القيم ونمارسها .. وخلاصة التعريفين أن الثقافة تتمثل فيما يتعلق بالإنسان من حيث هو إنسان، فكل ما يتعلق بالإنسان من حيث إنسانيته فهو ثقافة، وكل ما يتعلق بالإنسان من حيث حيوانيته (مثل الطب والهندسة) فليس بثقافة.
عناصر الثقافة
للثقافة ثلاثة عناصر أساسية هي التي تشكل ثقافة الأمم مهما اختلفت فأي ثقافة في العالم لابد أن تحوي هذه الثلاثة عناصر بدائية أو متحضرة كتابية أو ليست كتابية بمعنى أن الاختلاف ليس على وجود هذه العناصر إنما الاختلاف في نوعية هذه الثقافة من مجتمع إلى آخر
والعناصر هي 1- تفسير الوجود . 2- القيم. 3- النظم.
الأول : تفسير الوجود
هي تلك الإجابة التي يشعر الإنسان – أي إنسان – أنها مطلب لديه.. وهي عموماً إجابات الأسئلة الوجودية من أنا؟ كيف جئت؟ ما هدف وجودي؟ ما هو مصيري؟ ماذا بعد الحياة؟ كيف جاء هذا الكون وما علاقتي به؟ .هل هذا الكون له إله ؟وكم إله له ؟. إلخ ولا يهدأ الإنسان ولا يقر له قرار حتى يجد إجابات بغض النظر عن صحتها، سواء كانت الإجابات ربانية أو خرافية أو أسطورية أو فلسفية فإن كانت صحيحة هدأت نفسه واطمأنت وإلا فلا.

الثاني: القيم
هي المعايير التي يتعامل معها الإنسان في الحياة العدل –الصدق- الوفاء – وهي تلك المثل التي تتميز بها الحياة الإنسانية عن الحياة الحيوانية.. أو هي القواعد التي يقيّم الناس عليها حياتهم ليرتفعوا بها عن الحياة الحيوانية ..
وهي على أنواع:
1- قيم فكرية (قيم الحق) : معايير تحكم حركة الإنسان الفكرية. 2- قيم الخير: القيم الأخلاقية : الصدق الوفاء البر الحياء..
3- قــــيم الجمال: قيم الذوق ورؤية الجماليات.
الثالث: النظم التشريعية في جوانب الحياة
قوانين ، تعاليم أعراف وتقاليد أو الطقوس التي يمارسها الإنسان في حياته.. سواء اللصيقة بالإنسان (العبادة، الأخلاق) أو ما دونها (النظم التعليمية، الإعلامية، الإدارية..) وتشمل كذلك التشريعات التاريخية التي توارثتها الأجيال وأصبحت قانوناً ملزماً سواء كانت مدروسة أو غير مدروسة مثل نظم العشائر والبدو وهي نظم لا يستطيع الإنسان أن ينفك عنها .
من خلال هذه العناصر تتشكل شخصية الإنسان وتبنى ثقافته .
دعواتكم

الموضوع : خصائص الثقافة
حتى نبين الثقافة أكثر لابد أن ندرس بعض خصائصها وليس كل خصائصها فقط نرى الخصائص المميزة للثقافة وهي في الحقيقة ترجع لتلك الملاحظات التي ذكرناها في تعريف تايلور الخاصية الأولى هي
1. التكامل بين عناصر الثقافة : يعني الترابط بين مفردات تلك العناصر التي ذكرناها فالثقافة تبدوا بناء متكامل متلاحم ليس مفككا ليس أجزاء أو جزء منقطعة عن بعضها .
2. الواقعية فهذه الأشياء لا تكون ثقافة إلا حينما تكون مرتبطة بالواقع الذي يعيشه الناس أن يكون الناس متمثلا لها أو يكون الدعاة يبعثون حياة الناس بها حينما تكون هذه الأشياء قصد الوجود والقيم والنظم دراسات نظرية في كتب فلسفية أو فكرية أو علم نظري فهذه ليست ثقافة .
3. المعيارية المعيار هو الميزان والمقصود بهذا أن الإنسان ينظر للثقافات الأخرى من خلال ثقافته هو بحيث تكون ثقافته هي الميزان الذي يزن به الثقافات الأخرى هذا معناه المعيارية ، (أن الثقافة تمثل معيارا لما هو خارجها )المتشبع بثقافة من الثقافات ينظر ويقوم الثقافات الأخرى بتفسيره هو للوجود بقيمه هو ،ولهذا نحن بثقافتنا الإسلامية ننظر على الغرب بإطلاقه مثلا الحرية الجنسية للمرأة على أنه متحلل متهتك على أنه يمارس جريمة بفعله هذا هي ثقافتنا تقول هذا ......وهو ينظر إلينا في مجال حشمة المرأة على أننا نكبت المرأة ونقيد حريتها لأنه ينظر إلينا أيضا من زاوية ثقافته هو وهكذا فالثقافة هي معيارٌ وميزانٌ للإنسان يزن به الثقافات الأخرى .
أيضا الثقافة نفسها -أي ثقافات- فيها معايير ثابتة يحكم من خلالها على ما في الثقافة نفسها من متحولات إذا الثقافة فيها جوانب ثابتة أصول وفيها فروع وتوابع أو متغيرات الأسس أو الأصول أو الثوابت هذه تمثل معايير يحكم من خلالها على ما في الثقافة نفسها من متغيرات من عادات وتقاليد وأعراف وتعاملات ومعادلات ونحوها . فحينما تفد إلى الناس أو يبدع الناس بأنفسهم فكرة جديدة تشبه عادة أو تقليد عندهم لا يمكن أن يقبل في إطار الثقافة إلا من خلال معيارها أو معاييرها ..عندنا مثلا في الثقافة الإسلامية الناس بطبعها في حركة حياتهم تتولد لديهم عادات وتقاليد أو حيانا يتلقون من بيئات أخرى تقاليد يتعاملون بها لا تدخل هذه في الثقافة الإسلامية فتصبح هذه عادة إسلامية إلا حينما نعايرها بمعايير الثقافة نفسها فتحكم عليها بأنها مقبولة فتصبح من الثقافة الإسلامية أو تحكم عليها بأنها مرفوضة فتخرج من إطار الثقافة الإسلامية ..ويصبح حتى الذي يمارسها يشعر بأنه بهذه الممارسة خارج الدائرة الإسلامية .
مثال نفرض انه جاءنا زيٌّ من الأزياء من ألبسة المرأة وبدأت الشركات التجارية تكثف إيراده وبدء الناس ينهالون عليه شراءً هنا يأتي تقويمه بمعيار الثقافة فهل هو مقبول في الشروط الإسلامية للباس الساتر الحافظ بل ويصبح جزء من اللباس الإسلامي أو أنه تخل به بعض الشروط بأن يكشف عورة المرأة مثلا أو يُبين تقاطيع جسمها فهنا يلغى من دائرة الثقافة الإسلامية بمعنى انه يصبح نشاز هذه هي الخاصة الثالثة من خصائص الثقافة .
4 0 أن الثقافة نسبية الثقافة ليست مطلقة ليست كونية الثقافة خاصة بأناس بجماعة بمجتمع بأمة فالثقافة هي تميز وليست عمومية ولذلك نجدها موصوفة الثقافة تأتي موصوفة ( الثقافة الإسلامية ) أما المعارف العامة المطلقة للبشرية كلها لا تأتي موصوفة ما يقال طب تشريحي إسلامي أو هندسة إسلامية أو جدول ضرب إسلامي مثلا لكن بالنسبة للثقافة فيقال ( ثقافة إسلامية – ثقافة غربية بصفة عامة – ثقافة نصرانية أو يهودية أو مجوسية أو بوذية أو هندوسية ) أو غير ذلك من الثقافات التي تملئ الكون الآن .
هذه بعض الخصائص التي قد نحتاج أن نرتكز عليها في الحديث القادم ..
الآن نأتي لتعريف الثقافة الإسلامية
ما سبق كان في الثقافة بمطلقها يهودية أو نصرانية أو إسلامية أو غيرها ولكن نحن نريد أن نحدد الثقافة الإسلامية ....ماذا تعني ؟
الثقافة عرفناها بقي لفظة ( الإسلامية ) متى تكون هذه الثقافة المكونة من تلك الأشياء متى تكون إسلامية ؟
اللفظة هذه ( إسلامية ) النسبة إلى الإسلام التي كثرت في عصرنا الحديث فيقال دعوة إسلامية –وحركة إسلامية – وفكر إسلامي –ومفكر إسلامي –وكاتب إسلامي وصحفي إسلامي –وفقه إسلامي وعقيدة إسلامية ....الخ
المقصود بها هو التزام منهج الإسلام في مبادئه ومناهجه ... من التزمَ بالإسلام في مبادئه ومناهجه يوصف بأنه إسلامي (شخص أو مثقف أو كان جهدا دعوة مثلا وعقيدة أو غير ذلك) فيوصف بأنه إسلامي .
فالإسلامية تعني " التزام الإسلام في مبادئه ومناهجه " هذا هو الإسلامي أو الإسلامية .
فبناءا عليه فالثقافة الإسلامية تكون هي....
" تفسير الوجود والقيم والنظم بصورتها الشمولية المترابطة من حيث هي مستمدة من القرآن والسنة أو مستندة إليهما "
العناصر الثلاثة بصورة شمولية مترابطة ومن حيث مستمدة من القرآن والسنة أو موزونة بهما ...
و لربما سأل سائل وقال : (هذه هي الثقافة الإسلامية فهل معنى ذلك أن الثقافة الإسلامية هي العلوم الشرعية ؟ هي العقيدة والفقه والأخلاق ونحوها ...هل هناك تطابق بين الثقافة والعلوم والدراسات الإسلامية ؟
حتى نوضح إجابة التساؤل هذا يحسن بنا أن نستعيد خاصيتي الثقافة التي ذكرتاهما ضمن الخصائص الأربعة وهما خصيتي الشمولية والترابطية وخاصية الواقعية ثم ننظر للعلوم الشرعية النقلية هذه هل تتطابق مع الثقافة في هذا الوصف أو لا طبعا هنا لن نجد صورة واحدة وإنما سنجد صورتين مختلفتين للعلوم الشرعية
الصورتان هي
(عالم بالدين بشموليته ) (عالم متخصص بفن محدد)
1- تتمثل في أن العالم الشرعي يتفقه في الدين بشموليته كلها فيستوعب ما جاء به الإسلام إيمانا وعبادة وأخلاقيات وصورا تعاملية ثم يسعى لإصلاح الواقع البشري بهذا الفقه لدية وبهذه المعرفة الدينية العلم الشرعي بهذه الصورة متطابق مع الثقافة الإسلامية لأنه علم شمولي من جهة وعلم تطبيقي واقعي من جهة أخرى وهذا هو منهج الإسلام الصحيح الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاء كان يتعامل مع الإسلام بالشمولية هذه وكان يتعامل مع واقع الحياة بالحيوية يعني لم يكن منظرا فيلسوفا فيكتب فلسفته في كتاب لا يقرأه غلا عدد محدود من الناس ...كان ينشر دينا يبلغ دينا للناس كلهم عالمهم وجاهلُهم أميّهم ومتعلمهم فكان يغير بهذا الدين حياة الناس عمليًا .
الصحابة رضوان الله عليهم أيضا تلقفوا هذا المنهج من نبيهم فصاروا يمارسون العملية نفسها مع الناس مع التابعين والتابعون مارسوها أيضا مع أتباع التابعين وهكذا حتى الأئمة الكبار احمد بن حنبل الإمام الشافعي أبي حنيفة وغيرهم كانوا مثقفين بالمعنى الذي عندنا للمثقف كانوا علماء شموليين واقعيين فتاواهم التي نقرؤها الآن مدونة بالكتب لم يكونوا يكتبونها في كتب في غرف معزولة عن الحياة لا ....فتاواهم كانت إجابات على أسئلة يتلقونها من الناس وهم يعيشون معهم كانت حركة حياة واقعية حية ..العلم الشرعي بهذه الصورة التي تتمثل في شمولية متماسكة وواقعية حية تتطابق مع الثقافة الإسلامية تماما .
2- الصورة الثانية من العلوم الشرعية هي التي أصبح فيها هذا العلم بعد عصور الازدهار الحضاري الإسلامية للقرون الثلاثة الأولى وبعض القرن الرابع أصبح فيها العلم الشرعي فنونا متعددة تخصصات كما نسميها اليوم وأصبح كل تخصص جزيرة منفصلة عن الجزر الأخرى يعني التخصصات الأخرى وأصبح طالب العلم يأتي إلى هذا التخصص علم الكلام أو العقيدة تخصص الفقه تخصص السلوك أو التصوف يأتي إلى واحد من هذه التخصصات ثم ينشغل به ويغرق في تفصيلاته وخلافاته ودقائقه منعزلا عن الفنون الأخرى وهنا ذهبت الشمولية ومنعزلا عن واقع الحياة العملية التي يعيشها الناس من جهة أخرى فأصبحت العلوم الشرعية معارف نظرية تجريبية كأنها فلسفة موجودة في الكتب يتعاطى قلة قليلة من الناس فيما بينهم أما الحياة فهي تعيش في وادي آخر والفنون الأخرى أيضا كل فنٍ قائم بذاته لا صلة له بالفن الآخر الثقافة الإسلامية لا علاقة لها بهذه العلوم الشرعية فليست منها وليست تلك العلوم من الثقافة في شيء .
عنوان " علاقة الثقافة بالدين "
الدين الإسلامي هو الحياة الكاملة يعني قد تكون القضية لدى الغرب قائمة مع تساؤل أما بالنسبة لنا كمسلمين فالأمر واضح من خلال ما تحدثنا عنه فيما سبق فأهم عناصر الثقافة هي المعتقدات والأخلاق والقانون وهذه كما نعلم هي أم مرتكزات الإسلام لكن مع هذا الوضوح إلا أن هناك فئة من أبناء المسلمين من المستغربين سعوا من أجل حل العلاقة بين الثقافة والدين طبعا في الدائرة الإسلامية فقالوا إن الدين شيء شخصي فردي يتعامل به الفرد في أمور عبادات محدودة مع عالم شرعي يسأله أما الثقافة بصفتها حياة حية يعيشها الناس فهي شيء آخر نحن روادها من خلال ما نقدمه من فنون أدبية في الشعر والرواية والفنون التشكيلية والتمثيل والموسيقى والغناء وغيره ..
هذه مغالطة بالطبع لحقيقة الثقافة كما هي تعريفاتها السائدة عن المعرفين أو عند منظمة اليونسكو نفسها وحتى كبار المفكرين في هذا المجال هم مقرون بهذه الحقائق الخلاف بينهم هل الدين من الثقافة أم الدين يطابق الثقافة تماما ..بعضهم يقول إن الدين شيء من الثقافة وبعضهم مثل توماس ليوج يقول : إن الثقافة ما هي إلا تجسيما للدين طبعا الغربيون قد يعذر حينما يقول إن الدين شيء من الثقافة لأن الدين عندهم ومنهم النصرانية يتمثل في مجموعة من العقائد والتصورات ومجموعة من الطقوس العبادية وبعض الأخلاق الفردية فقط أما الحياة الاجتماعية السياسية الاقتصادية العلمية ونحوها هذا شيء آخر خارج دائرة الدين عندهم بناءً على العلمانية ومن ثم حينما يقول : الدين شيء من الثقافة فهو منطقي مع نظرتهم هذه ولكن بالنسبة لنا نحن المسلمين الأمر غير ذلك فنحن كما أسلفنا في صفة المعيارية أن كل هذه الأشياء وإن دخلت وكانت جديدة وأن أبدعها الناس أنفسهم بمعنى لم يأتي بها الدين إلا أنها من خلال معايرتها بين ثوابت الإسلام وأصوله تكتسب صفتها الإسلامية أو تغفل وتخرج بمعنى أن الدين لدينا يتطابق مع الثقافة . مثال على ذلك في عصرنا الحاضر أشياء كثيرة تدق الأبواب على الناس على المسلمين من الغرب "الديمقراطية" ينادي بها كثير من المسلمين وهي بمفهوم أنها أشياء سياسية للتداول السلمي لحرية الإصلاح السياسي ووجود نواب من الشعب يراقبون تصرفات الدولة فإننا نقول بأن الديمقراطية هنا بإمكانها هنا أن تدخل في دائرة الثقافة الإسلامية بهذا التفسير . يعني ممكن إدماجها في الثقافة الإسلامية أيضا في الغرب الآن قضية "المثلية "والآن أصبح لها رواج لها ف الغرب وأصبح لها قانون ولها تشريعاتها ولها نقاباتها .
المثلية تعني جواز أن ينكح الذكرُ الذكرَ والأنثى الأنثى أي ما يعرف بالشذوذ عندنا هذه أيضا قد تشيع وتصبح تقليد عادي طبيعي معتبر لكنها عندما تأتي إلينا ونعايرها بمعايير ثقافتنا فلن تكون مقبولة أبدا تلقائيا فالموقف منها محسوم هي خارج الثقافة الإسلامية وهذا شيء طبيعي في كل ثقافة .
هذا كل ما يتعلق بقضية الثقافة والثقافة الإسلامية
والآن نأتي للفظة "مثقف "..
حينما تحدثنا عن لفظة الثقافة في اللغة العربية قلنا أن عند العرب أوصاف للذي يمتلك أحد هذين المعنيين وهما التميز الفكري أو التقويم وهذه الألفاظ هي ثَقِيف رجل ثَقِيف أي حاذق فطين يستوعب ما يتلقاه من علوم إلى آخره أو رجلٌ ثَقِف أو رجلٌ ثَقُف أو رجلٌ ثَقْف أو ثِقَاف قول أم حكيم وهي تصف نفسها تقول : "إني حَصَانٌ فما أكلم و ثِقَاف فما أعلم " ..
أيضا من معانيها في اللغة العربية المُثقف كقول علي بن الرقاع :
نظر المثَقِفِ في كُعُوبِ قَناتِهِ ***** حتى يُقِيمَ ثِقَافُهُ مُنآدها
هذه هي التسميات عند العرب أما المثقف بهذه اللفظة فلم يوصف به شخص إنما وصف به الرمح الذي قُوم ..ولما قلنا نحن إن التقويم ليس خاصا بالرماح وإنما قد يكون خاصا بالأشخاص أيضا فهم يقومون ويؤدبون أخلاقيا ويترقى بهم فكريا ويربون إصلاحيا فإن الشخص نفسه حينما يتلقى هذه التربية ويستقيم فكره أو خلقه يصبح مثَقِفاً
مُثَقِف : الشخص المقوم الذي اكتسب المعرفة أو الإزكاء الخلقي أو نحو ذلك .
لاشك أن لفظة مُثَقِف أنها أدق للدلالة على معناها المعاصر لأن المُثَقِف هو الذي امتلك المعرفة والصلاح في نفسه ومارسها مع غيره وهذا هو المُثَقِف في عصرنا الذي سنأتي لخصائص شخصيته لكن الذي هو رائج الآن في الساحة هي لفظة مُثَقَف وليس لفظة مُثَقِف وكما قلنا أن هذا سائغ لأن العرب يقولون يكفي بالتسمية أدنى سبب
بعض المفكرين تحمس للفظة مُثَقِف وأراد أن تروج حتى عنون بعضهم في كتبه بهذا مثل احد الكتاب كتب كتابا منذ سنتين عنوانه "المُثقِف وديمقراطية العبيد "المؤلف محمد طحان ..لكن الدارج الآن في السجال الثقافي عند العرب هو لفظة مُثَقَف وهي صحيحة أيضا .
المثقف في الفكر الغربي
: اللفظة التي عربت للمثقف intellectual هذه اللفظة لها دلالات متعددة لو بحثنا عنها في المعجم سنجد أنها بمعنى مفكر لكن لها أكثر من معنى فهي تدل على أصحاب الجهد الفكري في مقابل أصحاب الجهد اليدوي أو من معانيها عند الغرب الذين يهتمون بالمسائل العامة في المجتمع في مقابل المحصورين في دوائر التخصصية علمية بحته أو الذين لهم جهد في التأثير على المجتمع الذين يؤثرون على الجماهير أو يؤثرون على السلطة في مقابل الذين يعيشون في عزلة فكرية عن المجتمع هذه الدلالات المباشرة في هذه اللفظة التي عربت للثقافة .
ويقال إن أول مرة أطلقت فيها اللفظة هذه كانت في نهاية القرن التاسع عشر حينما وقع مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات على عريضة باسم " بيان المثقفين " فكانت هذه أول مرة تظهر فيها هذه اللفظة وكانت بسبب تعاطفهم مع قضية من القضايا فكتبوا بيان يطالبون فيه بتحقيق العدالة وإعادة محاكمة ووقعوه باسم المثقفين ولهذا ارتبطت هذه اللفظة في أذهان الناس بأن المثقفين هم أساتذة الجامعات الذين خرجوا من عزلتهم الفكرية من جامعاتهم ليتفاعلوا مع المجتمع ثم بعد ذلك تنوعت التعريفات لكنها بقيت مرتبطة بهذا الجانب يعني مثلا من تعريفات الثقافة في الفكر الغربي طبعا .

)Edward Schiller يقول إدوارد شيلر (
"المثقفون هم قطعٌ من بين المتعلمين يسعون إلى صياغة ضمير مجتمعهم ليتجه اتجاهاً راشدا ويؤثرون على القرارات الكبرى في هذا المجتمع "
يقول لويس فوير (Luis Fuer ): " إن المثقف هو الشخص الذي تمتد أفكاره إلى نطاقٍ أبعد من مهنته ويهتم بالقضايا والمشكلات الحقيقية "
يعني الخلاصة للتعريفات الغربية للفظة المثقف أنه هو مفكر قد يكون متخصص وقد يكون هاويا لكنه يتجاوز نطاق تخصصه ويعنى بالشؤون الثقافية لمجتمعه .
المثقف في الفكر العربي في الفكر العربي لا زيادة على ما في الفكر الغربي عن المثقف ولمن أراد الاستزادة من القراءة عن المثقف هناك كتب منها كتاب " المثقف العربي همومه وعطاؤه " وكتاب " المثقف والسلطة " .
من تعريفات العرب شهيدة الباز تقول :" المثقف هو الذي يلتزم بموقفٍ حيال قضايا مجتمعه ويشارك في تغيير هذا المجتمع "أيضا تعريف إيليا حُريض :" المثقف يتعاطى الأفكار خلقا واستهلاكا واقتباسا وترويجيا وتأثيرا بها في الآخرين "هشام شرابي الذي توفي العام الماضي فلسطيني أمريكي في كتابه مقدمات في "دراسة المجتمع العربي" ذكر تعريفات للمثقف منها قال : " إن ما يحدد المثقف خاصيته – المثقف عنده يتحدد بخاصيتين هما 1- الوعي الاجتماعي الذي يجعله يتصور المجتمع من زاوية شاملة ويحلل قضاياه. 2-الدور الاجتماعي النشاط الذي يؤديه صاحب هذا الوعي في الواقع بحيث يستثمر ثقافته وتخصصه العلمي في هذا النشاط ."
هذه هي التعريفات للمثقف عند الغرب والعرب والمسلمين وسنتكلم في المحاضرة القادمة عن "العناصر الأساسية التي تشكل شخصية المثقف الصفات الرئيسة التي لا يمكن أن يكون مثقف إلا إذا تحلى بها " وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته دعواتكم أم خلود
المحاضرة الرابعة : عناصر شخصية المثقف
الآن نأتي لتحليل الشخصية المثقفة التي لو فقدها أو فقد شيئا منها لم يعد مثقفا
العناصر التي تتشكل منها شخصية المثقف هي :
1- الصنعة الفكرية .
وهي القاعدة التي يقوم عليها أساسا تمييز المثقف يقصد بذلك أن تكون الأولوية لديه هي في التفكير والتخطيط النظري لا مجال للعمل القائم على غير التفكير .الصنعة الفكرية تتطلب من المثقف حتى تصبح صنعة فكرية لابد لها من أمور
أ‌- تحقيق معرفة تخصصية أو تسمى جهات علمية .
القراءات المتناثرة قصيدة رواية وقراءة من كتاب ثم من آخر .هذا الأسلوب لا يشكل صنعة فكرية لدى الإنسان .
الصنعة الفكرية هي منهجية علمية ونحققها في عصرنا هذا في الدراسة التخصصية في فن من الفنون . لأنها تعطي منهجية علمية أما ما سوى ذلك فهو جامع أو حافظ دون أن يكون ذا صنعة فكرية .
وهذا موجود في الواقع هناك أناس لديهم قراءات من هنا وهناك وإذا تحدثت إليهم في أي موضوع تجدد لديهم أراء وأفكار لكن عندما نريد منه محاضرة بعناصر متقدمة ومنطق داخلي ولها نتائج وتوصيات وغير ذلك أو مشاركة ببرنامج يعالج قضية محددة أو المشاركة في دورة لا يستطيع .
فالمثقف لا يكون رائدا في مجال الثقافة غلا إذا كان مؤسسا نفسه علميا ومن أهم التأسيس العلمي ( الدراسة التخصصية ) .
ب‌- الاستيعاب المعرفي في المجال الثقافي : ينبغي أن يكون مستوعبا لتراثه وعصره والشؤون المحلية والعامية ويكون لديه استيعاب استقصائي بمعنى حضور للتراث وحاضر للعصر .
ج- الإنتاج الثقافي : أن ينتج ويقدم مواقف أراء وحلول مستثمرا تخصصه وتحصيله الثقافي .
فالإنتاج جزء من شخصية المثقف لكن هنا عامل من عوامل بناء الصنعة الفكرية .قد يهتم شخص بموضوع يثري هذا الجانب فيقرأ به كتب وصحف فيبقى في ذهنه أشياء منه بلا شك لكنه لو قرأ هذه الأشياء نفسها ثم ألقى محاضرة بهذا الموضوع لا شك أن تمكنه العلمي سيكون بشكل أقوى ممن لو قراءته قراءة فقط .
هذا هو الهدف التمكن من الصنعة الفكرية .
د- الإبداع : المثقف ليس هو الذي يحفظ ويجمع أو يكتب بالصحافة أو السريع في الأحكام ارتجالا .
ليس هو المقلد لغيره بل المثقف هو المبدع حقيقتا ، وينبغي عدم حصر أنفسنا في مجال الإبداع بالشعر والفنون التشكيلية ...هذا هو المعتاد أن الإبداع يكون بهذه الأشياء بل الإبداع أوسع من ذلك . الإبداع هو العملية الأساسية في الثقافة وفي كل مجالات .المبدع هو الذي يحرر ما يصلح مجتمعه في أي مجال من مجالات ( مجال العلاقات الاجتماعية وغيرها . من خلال تراثه الإبداعي ومعطيات عصره مركزا بصفته مسلم على الكتاب والسنة ليخرج منها العلاج الشافي المحقق للمصالح لمجتمعه .
خلاصة القول إن الصنعة الفكرية لدى المثقف الحقيقي ليست مجرد جمعا للمعارف ولا حشوا منك الكلام مكتوبا أو مخطوطا .
الصنعة الفكرية هي عمق علمي وشمولية فكرية هي فكر لحركة الحياة ومنهجية سليمة وإبداع يقدم شيئا نافعا .
العنصر الثاني من عناصر شخصية المثقف
2-التكيف الشخصي بالمستوى المعرفي من حيث تكون شخصية هذا المثقف في سمته وسلوكه وعلاقاته أن تكون مؤكدة للمفاهيم الفكرية التي وصلت إليه ، ولهذا يصف بعض المفكرين المثقف بأنه قدوة وأسوة وغيرها من الألقاب التي تؤدي المعنى (إن سمّتُه العام تكون على مستوى مقامه الفكري فليس المقصود أن يكون تطبيقه مطابقا لفكره هذا صعب فالإنسان يعلم كثيرا ويعمل قليلا لأن الفكر لا يوجد شيء يحده عكس العمل هناك عوامل تعوقه أن يواكب العلم .
لكن المقصود هنا ألا يكون تناقض بين الدين وحياته العملية ..
فشخص يصف داعية بالعقلانية والتفكير والتعامل مع الحياة لا يليق به أن يكون موجود بمجال الدجل والشعوذة وشخص يتبنى الحرية وينادي بحق الناس بالتفكير والتعبير عن آراءهم لا ينبغي أن يصبح رئيس لجريدة أو مقدما لبرنامج أن يصادر آراء الآخرين الذين يخالفونه وأن يكون إقصاءيا رافضا لأي فكرة لا تتفق مع منهجه.
أيضا ليس لائقا لا فكريا ولا مقبولا بمثقف يدعو لمحاربة الفساد الاجتماعي كشيوع الرذيلة ويحاربها في كتاباته مثلا ثم نجده غارقا في الفساد .
هذا هو المقصود بتكيف الشخصية بما يواكب مستواه المعرفي وبغير هذا التكيف يفقد هذا الشخص مصداقيته بصفته رائدا لمجتمعه .
العنصر الثالث من عناصر شخصية المثقف
3-امتلاك الرؤية
والمقصود بالرؤية هنا منظومة المفاهيم في تفسير الوجود والإنسان والحياة . لابد أن تكون لديه فلسفة للحياة .
الدين عند المسلمين يمثل هذه المنظومة فالإسلام يقدم تفسير للكون والإنسان والحياة . وهكذا كل مجتمع وفيه منظومة حتى الذين لا يدينون بدين أو النصارى أو البوذيين أو اليهود حتى أولئك يحملون هذه المنظومة ويوجدونها لأنفسهم .
مثلا فلسفة الأنوار الذين قادوا النهضة الأوروبية قبل قرون وكما نعلم أن هذه النهضة قامت على الفصل بين الدين والحياة .وهذه النهضة حاولت أن تتخلص من هذا الدين في عملية نبوغها .فهل يعني ذلك أنه لم يعد لديها منظومة مفاهيم ؟ لا
هو تركوا الدين لكنهم أوجدوا لنفسهم دينا جديدا يتشكل في منظومة مفاهيم أخرى جديدة غير دينهم السابق . ( الحرية – المساواة بين القوانين – سيادة الأمة ) وغيرها من المبادئ والقيم التي شكلت رؤية متكاملة لها .
المثقف لابد له أن يمتلك رؤية ولا يكفي أن يكون منتميا انتماءا لهذه الرؤية فقط أو رافعا الرؤية هذه كشعار بل لابد أن يكون تبنيه لهذه الرؤية قائما على قناعة والقناعة لقدرة هذه المنظومة والمفاهيم على تحقيق النبوغ لمجتمعه ولا بد أن يكون واعيا بها فقيها لهذه المنظومة لا مجرد آخذا لها بالتلقي ولابد أن يستثمرها بجهده الثقافي .فلا تكون هذه المنظومة مختزله في فكرة بينما حركته الثقافية في وادٍ آخر .
العنصر الرابع من عناصر شخصية المثقف
4- الواقعية الاجتماعية بحيث يكون هذا المثقف متماسا مع واقع مجتمعه يعيش المجتمع ويتحرك ويفعل به وارتباطه بمجتمعه من خلال قناتين :






1- القناة الأولى : التصور السليم المتماسك لهذا الواقع وهو ما ذكرناه عن هشام الشرابي أي لابد أن يكون لديه تصور متكامل صحيح عن الواقع لهذا المجتمع عن الأبعاد الثقافية والتاريخية والاقتصادية والظرفية التي شكلت هذا المجتمع وأبرزت ظواهره ومظاهره ومشكلاته وطموحاته لابد أن يستوعب هذه الأشياء لأن دوره سيكون بهذا المجتمع إصدار أراء وحلول تحديد مواقف وهذه الأحكام ينبغي أن تكون مبنية على تصور لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره .ما معنى هذه القاعدة التصور هو الأصل والحكم الذي يأتي بعده بمعنى هو أنه ثمره للتصور والتصور لا يمكن أن يكون صحيحا ما لم ينطلق من الواقع الحقيقي فعلا .
فالإنسان إذا أراد أن يصور حكما على شيء يختزل هذه الصورة بعدد محدود .أو بصورة خيالية من ذهنه لابد أن يقيم هذا التصور على نظام فكره السليم ويكون صحيح وشامل .
كيف يحقق المثقف هذا التصور بالواقع ؟
يحققه من خلال أمرين
أ‌- المعايشة : وهي أن يعيش المثقف حياة مجتمعه يتلبس هذا الواقع يصبح جزء منه وخاصة القطاع الذي سيكون الحراك به كقطاع التعليم يهتم به كقطاع الأعلام ونحو ذلك . المهم أنه ينبغي أن يعيش هذا الواقع من أجل أن تتكشف له حقائق الواقع المتخفية أحيانا .
فالناس لا تبني الأشياء على الملاحظ البعيد أو المطل من بعد ، هناك أشياء لا تتكشف إلا بالمعايشة للواقع .
ب‌- إجراء الدراسات الميدانية ومع إجراءه للدراسات الميدانية يستوعب الدراسات المنجزة لأن المعايشة بشكلها قد لا تحقق هذا التصور السليم الإنساني لو كانت الحياة كقبل خمسين سنة حياة بسيطة عفوية مكشوفة ، ما يقوله الإنسان هو حقيقة ما في قلبه . لو كانت الأمور بتلك الصورة لكانت أسهل وربما كانت المعايشة كافية .لكن الحياة أصبحت الآن معقدة أصبح هناك مؤثرات داخلية وخارجية تظهر الظواهر بسبها وتضعف إذا ضعفت الظروف مثلا هناك بعض الظواهر تتم خلفها فلسفات ليست مجرد نزعة عند الإنسان كظاهرة طيبة أو شيطانية فالأمور لم تعد ببساطة في جميع الأشياء لكن من خلال الاستقصاء والتتبع يتبين أن وراءها خطط وفكر فلسفي معين هذه هي قناعة التصور السليم الصحيح المتماسك للواقع عبر المعايشة وإجراء الدراسات الميدانية .
2- القناة الثانية : الجهد العملي في الواقع بمعنى هو الدور الاجتماعي كما سماه هشام شرابي ممارسة عملية الإصلاح في المجتمع . الإسهام في حل مشكلات المجتمع ..تكثير المصالح وتقليل المفاسد التعامل مع المثقفين الآخرين في حمل هذا الأعباء .المثقف في هذا العنصر يكون في حال التواصل مع إيجابي مع مجتمعه .تصور الحال ودراسة الحال ومن ثم عملا لإصلاحه .
العنصر الخامس من عناصر شخصية المثقف
5- النزعة النقدية ( النقد )
والنقد موجود في شخصية المثقف بل بعض المعرّفين للمثقف عرفوه ( بأن المثقف هو الشخص الناقد )
ليس من طبيعة المثقف المهادنات أو تقبل الأفكار الجاهزة بدون فحص أو قبول أن يخدر حتى لا يتحرك حس النقد لديه .
نزعة الرضا الدائمة هذه ليس من سمات المثقف سواء كان لسلطة التراث أو الحضارة السائدة أو الضغط الجماهير أو لغير ذلك من الأسباب .
المهم أن النقد جزء من شخصية المثقف فالمثقف شخص ناقد لأي شيء ناقد لواقع مجتمعه ....( النقد ليس بمعنى السب ) بل النقد هنا هو الفحص بمعنى تحديد السلبيات والايجابيات هذا هو النقد .
مجال النقد للمثقف
1- نقد واقع مجتمعه . 2- نقد تاريخه "تراثه" فالتراث هو مفهومات بشرية أو تطبيقات بشرية .قد يكون صالح لوقت ولكن تغير الأوضاع جعله لا يصلح .
أيضا تراثه الإنساني .كذلك نقد نفسه ينقد مسيرته وخصائصه .
· النقد جزء أساسي من شخصية المثقف فما هي حدود هذا النقد ؟
يعود لمرجعيات ثقافية فكل ثقافة لها مرجعيتها التي تحدد عملية النقد لدى المثقف ،فالنقد بالنسبة لنا كمسلمين النقد واجب على كل مسلم من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – النصيحة فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عملية نقد يرى أشياء فيقول أنها منكرات ويرى أشياء فيقول أنها معروف.فينكر المنكرات ويدعم المعروفات هذا هو النقد .
هذه هي عناصر شخصية المثقف الصنعة الفكرية .2- التكيف الشخصي .3- امتلاك الرؤية .4- الواقعية الاجتماعية .5- النقد .
ــــــــــــــــــــ
النخبة المثقفة
المثقفون يتشكلون بصفتهم شريحة متميزة بالمجتمع فهناك نخبة سياسية ونخبة رجال أعمال لكن نريد النخبة المثقفة وهي تمثل شريحة مستقلة عن الشريحة السياسية وغيرها المقصود بالنخبة هنا ليست عموم المثقفين وكل من درج في دائرة الثقافة .
النخبة هم : طليعة مثقفي الأمة المجتمع بحيث يمثلون أئمة قادة . في الحقيقة ليس هناك نخبة واحدة مثقفة في أي مجتمع بل هناك نخب مثقفة كل نخبة موصوفة بوصف هذا الوصف يمثل رؤيتها التي تنزع إليها .فإذا كان مجموعة من المثقفين من الرواد ينزعون منزعا متقارب الاتجاه حتى وإن اختلفوا بعد ذلك في تنظيراتهم الفرعية فإنهم يشكلون نخبة .
لدينا في العالم العربي نخبة عربية يسارية واشتراكية ولبرالية وهكذا .
والنخبة نفسها هي تتوزع بداخلها إلى تيارات - لا يعني أن النخبة صورة واحدة بل مرتبطة مع بعضها في أسس وأصول .
هذا ما يتعلق بعناصر شخصية المثقف والنخبة المثقفة والصفوة المثقفة أو ما يسمى الانتلجنسي .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


الثقافة الاسلامية
د. الزنيدي
المحاضرة الخامسة
الأحد / 18 ذو القعدة 1429هـ
المثقف المسلم:
دائما الثقافة منسوبة أي تنسب الثقافة إلى دين أو مذهب أو إلى مجتمع معين، فلا تأتي هكذا مطلقة، فإذا كانت الثقافة منسوبة والمثقف هو فاعل هذه الثقافة فمعناها تلقائيا أن هذا المثقف منتسب، بمعنى أن المثقف كما يقول محمد عابد الجابري: أن المثقف له جنسية ثقافية فالمثقف ينتسب إلى ثقافة حينما يفكر داخلها أي يفكر بواسطتها وليس في مجالاتها يعني أن تكون هذه الثقافة هي التي توجه تفكيره أي ينظر من خلالها إلى الأشياء ..
مثلا: المستشرق _ المفكر الغربي _ الذي يدرس الإسلام (قضية القرآن الكريم وآيات القران الكريم ودلالاتها والحديث والسنة) هذا المستشرق هل يقال له انه إسلامي أو مسلم ؟
طبعا لا. مع أنه يبحث في قضايا إسلامية، وذلك لأنه المستشرق الغربي أي المثقف الغربي أو يمكن أن نقول مثقف نصراني أو يهودي حسب دينه، فهو ينطلق من تلك الثقافة كالمسلم هو مسلم لأنه ينطلق من الإسلام لكنه يمكن أن يدرس الشيوعية أو النصرانية أو الوجودية..
إن الشخص ينسب للثقافة المعينة لأنه ينطلق منها ويتوجه بها لا أن يبحث في مشاربها..
حينما نقول مثقف مسلم: فالمقصود هنا شخص يملك صنعة فكرية، فن شخصي، رؤية شمولية، ثم هو منطلق من الإسلام منهجا وموضوعا فهو يؤدي جهده الثقافي من خلال دين الإسلام.. فالوصف مسلم وصف للشخص من حيث هو مثقف وليس من حيث هو شخص أي نصف ثقافيته لا نصف شخصه، فقد يكون هناك شخص مسلم ولكن ثقافته غير إسلامية وقد يكون هناك شخص مثقف ثقافة غير إسلامية وهو بشخص غير مسلم أيضا..
متى يكون المثقف مثقفاً مسلماً؟ حينما يكون في ثقافته منطلقا من الإسلام، أي حينما يكون الإسلام هو الذي يوجه فكره وعمله الثقافي.
س1: هل معنى هذا أن المثقف المسلم لا يمكن أن يكون مثقفاً مسلماً و ليبرالياً أو مثقفاً مسلماً واشتراكياً أو مثقفاً مسلماً ووجودياً ؟هل يمكن أن يجمع المثقف بين الإسلام في ثقافته وبين مذهبية أخرى ليبرالية أو اشتراكيه؟
س2:ثم هل المثقف المسلم هو المثقف الإسلامي أم أن هذا شيء وهذا شيء آخر ؟
بالنسبة للسؤال الأول: طبعا نحن قلنا مسلم وصف للشخص من حيث بناءه الثقافي بمعنى أن هذا الشخص قائم على قناعة عقلية ويقين وجداني في المجال الثقافي بأن ما جاء به الوحي ( القران والسنة) حق وما خالفه باطل هذا مقتضى كونه مسلم، فإذا رفض شيئا من هذه المقررات سواء كانت هذه المقررات مبادئ أو كانت أحكام يعني مثل وجود الله، هيمنة الله على خلقه، نزول القران من عند الله، اليوم الآخر، حرمة الغدر والظلم والخيانة رفض أي شيء من هذه المقررات التي نصت عليها الآيات والأحاديث يعني أحد أمرين:
- إما تكذيب مجيئها من عند الله: وهذا إنكار للرسالة أو لصحة القران وهو كفر..
- أو يعتقد أنها أتت من عند الله ولكن ليست صحيحة ليست حقاً بل هي باطل فالله يوجب على الناس ما فيه ضررهم ويحرم عليهم ما فيه نفع لهم :وهذا كفر أيضا فالإسلام دين توحيد أي دين تبنىٍ لمعطياته وحدها ..
أما بالنسبة للمذهبيات الأخرى ليبرالية اشتراكية الخ فالمشكلة تأتي من مصلحاتها.. فمثلا حينما يقول الشخص أنا مسلم ليبرالي فماذا يقصد بكلمة ليبرالي؟ ما هو مفهومه لهذه اللفظة التي وصف بها نفسه مع الإسلام؟
هل يقصد هذا الشخص من الليبرالية:
- انه يعتبر أن الإنسان هو مركز الوجود وانه سيد قدره وانه ليس لأحد الحق حتى الله أن يكون له سلطة عليه هل تعني الليبرالية عنده أن الحياة لابد أن تحرر من كل القيم و الاعتبارات الدينية، فإذا كان هذا مقصده من الليبرالية فإنه لا يمكن جمعها مع الإسلام لا يمكن أن يقول أنا مسلم وليبرالي في الوقت نفسه لأنه جمع بين المتناقضات فهو إما أن يكون مسلما ويكفر بهذه المبادئ لأن الإسلام يرفضها أو أن يكون ليبرالي أي خارج دائرة الإسلام ليس مثقف مسلم بل مثقف ليبرالي ...
- أو انه يقصد بالليبرالية شيئا أخر، يقصد بها تحرير الإنسان من القيود التي تمنعه من التعبير عن رأيه في أن يقول الحق تحرير الإنسان من المعوقات التي تعوقه عن التملك المشروع والكسب المباح فتح المجال للمشاركة السياسية عبر الطرق السلمية تحرير الفكر من الخرافة ونحو ذلك من المفاهيم التي تدخل في دائرة الليبرالية ، فإذا كان هذا هو مقصوده فالأمر يسير فهو يمكن أن يجمع بين الإسلام و بين هذه الليبرالية لكن الأصل له بصفته مثقف أن لا يأخذ هذه الأشياء أن ينتزعها من سياقها في ثقافة متتالية هي ثقافة الليبرالية ليجعلها إضافة لما عنده من دين لا المنطق السليم بالنسبة له بصفته مثقف مفكر أن يأخذ هذه الأشياء وغيرها ثم يفحصها و ينقدها ثم يدخلها في دائرة دينه أي ينقل سجل هذه الأشياء من الليبرالية إلى الإسلام لأنه سيجد أنها موجودة في الإسلام أما أن الإسلام أمر بها تلقائيا (مثل أن يتحرر الفكر من الخرافة وقضية التملك وحرية الكسب المباح و تحرير الإنسان من القيود التي تعوقه عن قول الحق) هذه جميعها أمر بها الإسلام ا وان الإسلام على الأقل انه أباحها فالمفترض به بصفته مثقفاً أن لا يأخذ هذه الأشياء اخذ تقليدي بل إنما يأخذ هذه الأشياء ثم يمحصها ثم يجعلها أجزاء في بنيته الإسلامية ..
أما بالنسبة السؤال الثاني: في الواقع ليس من الدارج أن يقال مثقف مسلم بل يقال مثقف إسلامي وفي المقابل مثقف ليبرالي أو مثقف علماني أو مثقف عصراني ونحوها..
طبعا قضية إسلامي _النسبة هذه _ أخذناها في تعريف الثقافة الإسلامية حيث قلنا الإسلامية هنا جئنا بها للتمييز عن أناس هم مسلمون في وراثتهم كونهم من أبوين مسلمين أو لأنهم في مجتمع مسلم أو أسمائهم محمد وعبد الله ونحو ذلك هم مسلمون لكن ثقافاتهم غير إسلاميه أي هو مسلم انتسابا لكن ثقافته اشتراكيه أو ليبرالية وغيرها فيقول أنا مثقف ليبرالي ولو قلت له يعني كافر قال لا أنا مسلم، فلو قال المثقفون المسلمون الملتزمون بالإسلام المنطلقون منه لو قالوا عن أنفسهم نحن "مثقفون مسلمون " لكان يعني ذلك مفهوما أن أولائك أي المثقفون الليبراليين والعصرانيين من أبناء المسلمين أنهم كفار يعني حكم مفهومي فــ:
المنطوق "نحن مثقفون مسلمون"خطير.لمفهوم " أن أولائك ليسوا مثقفين مسلمين "
وهذا حكم غير مناسب وهو حكم خطير .. لهذا جاءت قضية الإسلامي هنا، فيقال مثقف إسلامي بمعنى إنسان يمتلك تلك العناصر الأساسية وهو ينطلق من الإسلام في عملية الثقافة، فالإسلامي والمسلم واحد، سوى أن لفظة إسلامي جيء بها استخداما توقيا وتحاشيا للوقوع في طائلة وصف الآخرين بالخروج عن الإسلام، والمنهج الإسلامي أن الألفاظ تهجر حتى وان كانت صحيحة إذا كان لها دلالات أخرى قد يستعملها الآخرون في التشويش كما نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن قولهم في القران الكريم (يأيها الذين امنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا )..
وظيفة / مهمة / دور المثقف:
من خلال تحليلنا لعناصر شخصية المثقف أعطتنا أشياء من عمل المثقف وهناك تصورات ذكرت عند المثقفين والباحثين في هذا المجال عن دور المثقف..
الوظيفة في الأساس التي يدركها في الغالب كل مثقف عن نفسه هي ما اشتهر عن كارل ماركس في كلمة له قال فيها (إن وظيفة المثقف هي تغيير العالم لا تفسيره) طبعا هي كلمة جميله لا شك فيها لكن كيف يمكن أن يمارس المثقف التغيير إلا من خلال التفسير فكيف يغير شيء وهو لا يفهمه وكيف يفهمه ولا يتصوره والتصور هنا هو التفسير ولكن المقصود من العبارة أن المثقف لا يكتفي بتفسير العالم وإنما يتجاوز تفسيره نحو تغييره و التغيير هنا ليس المقصود به مجرد التغيير بل التغيير نحو الأفضل أي "الارتقاء" الارتقاء بالمجتمع و الأمة أي إصلاح المجتمع و الأمة .. طبعا هذه الوظيفة التي ذكرها ماركس عن المثقف ليست جديدة، هذه هي الوظيفة التي كان يمارسها المثقفون حتى قبل أن تأتي اللفظة لفظة مثقف لكن الذين يقومون بدور المثقف من الرواد رواد البشرية الذين يمتلكون العلم وإرادة التغيير وعلى رأس هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم جاءوا لا لمجرد تفسير العالم ولا إقامة تصورات عنه ولا مجرد نقد ما عليه العالم وإنما جاءوا لتغيير العالم تغييرا ارتقائيا به والله تعالى يقول في نبيه عليه الصلاة والسلام :(( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)) يزكيهم : التزكية هنا المقصود بها الترقية نحو الأفضل أي الارتقاء بالإنسان نحو حال أفضل فهذه هي وظيفة الأنبياء وهي وظيفة العلماء والمصلحين والمجددين، إذن وظيفة المثقف: صياغة مشاريع التغيير النهضوي والإصلاح، تقديم هذه المشاريع للناس، ممارسة عملية التغيير، تجديد الناس لعملية التغيير ..لكن هل هذه الوظيفة مسلمة لدى كل الباحثين والمثقفين بأنها هي وظيفته؟
طبعا لا. نحن نعرف انه بالعالم العربي قامت فئات من المثقفين العصرانيين يعني غير الإسلاميين وتبنوا مشاريع و أرادوا أن يغيروا بها الأوضاع، مشاريع البعثية والناصرية والاشتراكية وغيرها ثم كانت النتيجة فشلا لكل هذه المشاريع ولكل عمليات التغيير التي اتجهوا للقيام بها، إذن فشل المثقف العصراني في نقد المثقفين العصرانيين لأنفسهم، و لم يقفوا عند حد إثبات فشل المثقف نفسه وإنما تجاوزوا للتهجم على الوظيفة نفسها فقالوا أن الإشكال هو في الوظيفة أن المثقف العربي العصراني تجاوز حدود ذاته حدود دوره الحقيقي واعتبر نفسه انه مصلح كبير انه نبي بينما هو دون ذلك ..مثلا يقول د.عبد الإله في كتابه (نهاية الداعية) والداعية هنا المثقف صاحب المشروع، ونهايته أي فشله:"أن الدور الذي يستحق التشييع عند المثقفين هو دورهم فوق الثقافي الدور النبوي المزعوم دور الهداية و الإرشاد والخلاص واجتراع الحلول السحرية لنوادر الدنيا والدين"..إذا لم يكن الإصلاح والتغيير على محمل الدور هي مهمة المثقف إذن ماهي مهمة المثقف عند هؤلاء ؟
هناك تصورات مختلفة عندهم:
- بعضهم يقول أن وظيفة المثقف هي أن يقدم فهم أفضل للناس في مجالات الحياة، أن يفهّم الناس في مجال الاقتصاد في مجال السياسة في مجال الفكر فهو يعيش مع الناس لكنه بحكم تميزه الفكري ينبغي أن يكون له الدور الأبرز في إصلاح حالهم الفكري فقط، أن يصبح في المجالس يجلس معهم ويأخذ زمام الكلام ليحدد أن الوضع كذا وسببه كذا ..هذه وظيفة المثقف عند بعضهم
- وبعضهم يرى أن وظيفة المثقف: هي تحفيز عموم الناس نحو فهم الأحداث يعني تحفيز الناس أن يفكروا أن يكتشفوا بأنفسهم خطأ الخطأ و صواب الصواب ..
- وبعضهم يرى أن وظيفة المثقف:الوساطة فالمثقف عند هؤلاء وسيط بين الجمهور وبين عصرهم يقدم لهم هذا العصر منجزات هذا العصر مشكلات هذا العصر ويكون وسيطا بينهم وبين السلطة..
- بعضهم يرى أن دور المثقف:النقد فقط ، فلا ينبغي له أن معه.في مشروع ولا أن يقدم نفسه على انه يحمل الحقيقة بل مهمته هو نقد الواقع نقد الأفكار الموجودة في المجتمع نقد شؤون المجتمع المختلفة ومن خلال نقده وكشفه أن هذه الأشياء إيجابية و هذه الأشياء سلبية يكون أدى دوره أما الناحية العملية فيتركها للناس...
ألقاب لها صله بالمثقف مثل لقب (عالم - مفكر - داعية ) ونحوها .. ما مدى اتفاق هذه الألقاب مع المثقف وما مدى اختلافها معه ..
فمثلا هل العلم هو المثقف والمثقف هو العالم ؟
1- وصف عالم: هناك مفهومان مختلفان للفظة عالم:
- المفهوم الأول في الحضارة الإسلامية :
لفظة " عالم " هكذا بالمطلق يقصد بها: العالم الشرعي أي العالم الذي ينقل تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية ويبلغها الناس و يتمثلها في حياتهم ويصوغ الناس يربي الناس عليها هذا هو "العالم" بالمطلق..وليس معنى ذلك أن المهتمين بالطب و الجغرافيا وغيرها أنهم ليسوا علماء لكن أولئك في الحضارة الإسلامية هم علماء منسوبون بمعنى موصوفون فيقال فلان عالم الطب لكن حينما تطلق عالم بدون وصف فتلقائيا المقصود هم هؤلاء _العلماء الشرعيين_ وأساس استحقاقهم في الاستغراق في العالم للنسبة الشرعية جاءت من قول الرسول عليه الصلاة والسلام (العلماء ورثة الأنبياء) .. إذن العالم في الحضارة الإسلامية هو العالم بالعلوم الشرعية بالعلوم النقلية بتعاليم القران والسنة ..هل هذا العالم هو مثقف؟
نرجع إلى ما أخذناه حينما تحدثنا هل الثقافة الإسلامية هي العلم الشرعي؟ وقلنا أن العلم الشرعي جاء بصورتين في التاريخ الإسلامي الصورة الأولى: هي التي يكون فيها العالم الشرعي منطلقا من تعاليم القران والسنة بمجموعها في العقيدة والعبادة والقيم والأخلاق والأحكام المعاملاتيه ينطلق إلى الحياة من أجل أن يصلح هذه الحياة بهذه التعاليم هذا هو العالم الشرعي كما جاء به الشرع وهو الرباني كما جاء في القران الكريم (( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون))
هذا العالم هو مثقف..
أما العالم في العصور ما بعد ذلك ما بعد العصور الأولى هو الذي ذكرنا انه أصبح منزويا في دائرته التخصصية في بحوثه التجريبية منفصلا عن الواقع وعن التخصصات الأخرى ، هذا العالم ليس مثقفاً والحقيقة انه ليس عالما بالمعنى الإسلامي للعالم الذي هو العالم الرباني الذي يتحرك في حياة الناس لإصلاحها بالقران والسنة وهذا أدركه المسلمون حتى في ذلك الوقت يعني ليس مجرد دراسات تاريخية حتى في تلك القرون أدرك بعض الناس هذا الخلل الذي وقع فيه العالم و انه أصبح مجرد تاجر معرفة ولهذا حاول الصوفية أن يوجدوا تسمية بديلة لـلفظة "عالم" الإنسان الذي يستحق أن تكون له الريادة يكون قائد للناس موجه للناس فابتكروا تسمية من عندهم هي لفظة "عارف" وهو الشيخ الكبير عند الصوفية ..
- المفهوم الثاني في الحضارة الغربية المعاصرة:
فالعالم في الحضارة الغربية هو المتخصص بالعلوم البحتة العلوم المادية البحتة في الفيزياء والكيمياء والأحياء ونحوها لأن هذه العلوم في الحضارة الغربية هي العلم فقط، الدين ليس علما عندهم والمعارف الاجتماعية في الأصل لا يعتبرونها علم أيضا..إذن العالم في الحضارة الغربية هو: الذي يتعرف القوانين الطبيعية من خلال المنهج التجريبي الاستقرائي..وأخذنا فيما سبق أن هذه العلوم المادية لا تدخل في الثقافة لأنها ليست مما يعني الإنسان بصفته إنسانا، نعم هي تعني الإنسان ولكن بالجانب المادي البحت ولهذا لا تعتبر من الثقافة ولهذا لا يعتبر العالم فيها مثقفاً إلا أن يكون له دور خارج دائرة تخصصه هذا، ولهذا يقول احد المفكرين الغربيين جامو ساتر وجودي مشهور فرنسي: لن يسمى بالمثقف العلماء الذين يشتغلون على تشطير الذرة لتحسين أسلحة الحرب الذرية ولكن إذا اجتمع هؤلاء العلماء أنفسهم ووقعوا بيانا يحذر الرأي العام من استخدام القنبلة الذرية إذ ذاك يتحولون إلى مثقفين فهم بتلك المعارف ليسوا مثقفين لكن بمشاركتهم بامتلاكهم لتلك العناصر التي ذكرناها من واقعية اجتماعية و أساس نقدي ونحو ذلك يكونوا أو يكون البعض منهم مثقفين ..
2- المفكر: يطلق بإطلاقين:
- الإطلاق الأول:
على المتخصصين بالدراسات الاجتماعية أي الدراسات الإنسانية مثل القانون الاجتماع علم النفس والسياسة والتاريخ ونحوها فهذه التخصصات في الأساس هي لا تعتبر علوم هذه دراسات لأنه يرون أنها لم تصل بعد لمستوى الحقائق ولهذا لا يعتبرونها علما ولا علوما والمشتغل فيها يوصف بأنه مفكر لا انه عالم، طبعا هم أنفسهم أصحاب هؤلاء العلوم يسمون أنفسهم علماء فمثلا علماء اجتماع علماء النفس لكن الأصل للمنظور الغربي في تقييمه للعلوم يجعل العلم تلك الدراسات العلمية البحتة وهذه دون العلم ومن ثم فالمشتغل بهذه العلوم يسمى مفكر أو في الغالب يسمى متخصص..
- الإطلاق الثاني:
هي على الإنسان الذي يعنى بالقضايا العامة في المجتمع وهذا واضح عندنا حيث يكون المفكر مقابل للفقيه، فالفقيه مختص بجزئيات العملية ووظيفة الفقيه الإفتاء في الجزئيات العملية في حياة الأفراد في قضايا الطهارة الزكاة والصلاة والصوم والحج والبيع والشراء ونحو ذلك وهذه هي دائرة عمل الفقيه أما المفكر فهو الذي يعالج القضايا العامة قضية الهوية التراث الفن النهضة التجديد التربية الوحدة المعرفة المنهجية العقلانية الحداثة الليبرالية الماركسية الاستشراق وغيرها كل هذه القضايا التي يقوم بها هو المفكر..
والمفكر في كلا الاطلاقين هو في الحقيقة مثقف لأنه منشغل بقضايا الثقافة، طبعا مبدئيا هو مثقف أما هل امتلك باقي المواصفات فهذه قضية أخرى هذا تقويم له، لكن مبدئيا مجاله الذي يتحرك فيه هو مجال الثقافة..
3- الداعية: المحاضرة القادمة
المحاضرة السادسة
الوقوف على لقب مثقف ولقب داعية
الداعية هو كل شخص يدعو إما إلى عقيدة أو إلى مذهبية أو إلى مصلحة سواء كانت خيرا أو شرا لكنها في مجتمعاتنا الإسلامية غلبت على الذين ينادون الناس إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتباع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم أي الدعاء إلى الإسلام دوما .
الداعية الذي كان يسمى قبل خمسين سنة المذكر أو المطوع مثلا كان مجاله خطبة الجمعة وكلمات يلقيها في المساجد ثم توسع مع وسائل الإيصال الحديثة عبر الإذاعة عبر التلفزيون عبر الصحافة ...الخ . كان عمل الداعية فيما سبق محصور بالوعظ يعني الترغيب والترهيب ثم توسعت الدعوة لتكون تقويما للسلوك ولتكون كشفا لصور الفساد في المجتمع وتجاوزت إلى أن أصبح الداعية يداخل المجالات السياسية والاقتصادية والفنية وغيرها ...الآن وضح من خلال عرضي للداعية علاقته بالمثقف يعني أن الداعية في مجال عمله هو في الحقيقة مثقف هل هو مثقف حقيقي متمثل العناصر الخمسة فنطبقها عليه أم أنه مجرد جامع جمع مجموعة من الأحاديث والآيات وبعض القصص فحفظا دون أن يكون لديه القدرة فكرية وإبداعية واجتهادية في مجال عمله إذن هو في مجال حركته هو مثقف لكن هل يمتلك فعلا هذا اللقب ( مثقف ) حقيقة لابد لنا من توفر عناصر المثقف فيه ؟.
الآن انتهينا من الجانب النظري في العنصر الأول الذي هو المثقف ونأتي إلى الجانب التطبيقي على المثقف في عالمنا العربي الذي الآن يسمونهم المثقفين في عالمنا العربي ..
ننظر إليهم في ضوء ما درسناه من علوم نظرية كيف ظهر المثقف في عالمنا العربي هذه هي النقطة الأولى وكما نعلم من دراستنا الأولى أن الأمة العربية الإسلامية عموما التقت منذ قرنين بالأمة الغربية ( ولا نعني بذلك الغرب الجغرافي ولكن أقصد به الغرب الثقافي فيدخل في الأمة الغربية روسيا وهي أسوية وأمريكا وهي في القارة الأمريكية فكلها غرب بالنسبة لنا )التقت هاتان الأمتان (أمة غربية صاعدة فيها قيم الحرية والنظام والعقلانية والتصنيع التقني والتطلع الاستعماري وأمة إسلامية تعاني من تخلف حضاري وجمود علمي وفوضى اجتماعية وخرافة الطاغية التقت هاتان الأمتان وكان هناك وسائل اتصال عديدة بينهما الاستعمار مثلا المدارس التي أنشأها الغرب في بعض البلدان العربية ...وسائل عديدة لكن الذي يعنينا من هذه الوسائل هو تلك الفئة من أبناء المسلمين الذي أبعث إلى الغرب لتعلم معارفهم الذين يسمون (المبتعثون ) من بلادهم المسلمين للغرب هؤلاء المبتعثون عندما ذهبوا إلى الغرب بهرهم وضعه الاجتماعي ووضعه الثقافي والفكري والتقني والسياسي ....الخ وتسألوا هذه النهضة من ورائها من الذي يدفعها من الذي رسم مسالكها وجدوا أن فئة و شريحة من المجتمع الغربي هم رجال الاجتماع والقانون والفلسفة والأدب والفن ونحوهم الذين يتبعهم جميعا وصف أنهم مثقفون يعني قدرات فكرية تتفاعل مع الواقع الاجتماعي وجدوا أن هذه الفئة هي التي ترسم معالم النهوض الثقافي والحضاري بشكل عام ثم فكروا في مجتمعاتهم فوجدوا أنها تفقد هذه الشريحة القائدة المجتمعات الإسلامية ليس فيها إلا العالم الشرعي والعالم الشرعي في اغلب هذه المجتمعات تهمش دوره بدرجة كبيرة أبعد أو ابتعد هو ..فصار دوره ضعيفا جدا بل في بعض هذه المجتمعات انمحى دوره ...رجع هؤلاء المبتعثين إلى بلادهم ورأوا أن هذا الواجب قادة الأمة نحوا النهوض أنه أصبح متعينا عليهم هم . ومن ثم أعلنوا أنهم هم رواد النهضة وهم قيادات التغيير في مجتمعاتهم نحو الرقي الحضاري وبدؤوا يمارسون دورهم التغريبي في مجتمعاتهم الإسلامية العربية
بعض االعناصر التي تجمع فئة المثقفون العرب من المبتعثين بشكل عام
يجمع هذه الفئة بشكل عام ليس كلها بالطبع بعضها يدفعها المرجعية الغربية بكل مذهبيته مع اختلافهم لكنهم يتفقون على هذه النقطة أن مرجعياتهم هي الغرب .
أيضا يجمعهم افتقار التأصيل العلمي الشرعي بل الجهل بالإسلام لدى كثير منهم طبعا الحكم ليس عاما للجميع لكن عموما وإن وجد اثنان أو ثلاثة أو أربعة ممن لديهم علم شرعي وهم من الذين أبتعثوا وكان لهم دور مثل ما فعله الطنطاوي الذي كان عالما وخير الدين تونسي وغيرهم
أيضا مما يجمع هؤلاء عدم اعتبار قيمة الإسلام في البناء الحضاري التعامل مع التراث انطلاقا من المرجعية الغربية .
هذه بعض العناصر التي تجمعهم صاروا يتحركون ثقافيا في أمتهم يغيرون يسوقون الأمة نحو التغربل خلال ما تجد هذه الفئة المثقفة المبتعثة في الأصل خلال تسيدها برز أفراد من الغيورين على دينهم -أغلبهم لم يكن من علماء شرعيين أيضا لكن لديهم غيرة دينية – فزعوا من هذا العمل الذي يمارسه هؤلاء فقاموا يحذرون الأمة من أن تترك إسلامها وتصبح أمة ممسوخة أمة متغربة قاموا يواجهون هذا التيار ما سموه ( تيار التغريب أو التيار الغربي الثقافي أو تيار العلمنة أو تيار الحداثة ) ونحوها من التسميات التي ألصقها هؤلاء الغيورون لأولئك طبعا حارب التيار الإبتعاثي هذا حارب أولئك الغيورين ونفاهم وأقصاهم لكن تواصل عملهم حتى كان نهاية الثلث الثاني من القرن العشرين تحديدا في عام 1967 م 1387هـ حينما وقعت النكبة الكبرى التي أفزعت الناس أحست الأمة أن عارا كبيرا قد لحقها بهذه الهزيمة مليار مائة مليون يهزمها ثلاث ملايين فصارت الأمة تفكر ما سبب الهزيمة بحسها الديني بحسها الفكري البدائي أدركت الأمة أن السبب هذه الخسارة الكبيرة التي حاقت بها هو ابتعادها عن دينها، هو شرودها عن الله ومن ثم أعلنت الأمة بلسان حالها العودة إلى الدين وبدأت ما سمي بعد ذلك بالصحوة الإسلامية وبرز هؤلاء الغيورون من الأفراد برزوا في هذا المجال ..وأصبحوا هم القادة لهذه الصحوة بصفتهم بديل للفئة المنفصلة عن مجتمعها التغريبين وبصفتهم تعويض عن القصور الذي وقع من الابتعاد الشرعي .
الذي يجمع هذه الفئة الغيورة أن مرجعيتهم المعلنة القرآن الكريم والسنة المطهرة
أنه لابد من الرجوع لتراثنا الحضاري ما الذي يؤخذ من التراث وما لا يؤخذ طبعا اختلفوا فيه لكن القاعدة العامة هي انه لابد من الارتكاز على تراثنا الإسلامي .
أيضا من مما يجمع هذه الفئة أن الحضارة الغربية فيها حق وفيها باطل فيها نافع وفيها ضار ومن ثم ينبغي أن ينظر فيها من هذا الأساس لا على انها خير كلها ولا على انها شر كلها طبعا يتفاوتون في تقليد ما هو خير في هذه الحضارة هل هو فقط الجانب التقني كما عند بعضهم أم هو جانب التقني ومعه بعض التنظيمات الاجتماعية عن البعض الآخر وهكذا
مع تعار ض الصحوة الإسلامية أصبح هؤلاء الغيورون رواد ثقافيين لأمتهم وهكذا تبادل على أمتنا العربية تياران كبيران في مجال القياد الثقافي هما النخبة العصرانية ويقابلها النخبة الإسلامية . حديثنا تطبيقيا عن النخبتين ( العصرانية والإسلامية )
النخبة العصرانية
العصرانية نسبة إلى العصر والعصر الذي نعيشه الآن طبعا هو عصر أوروبا ليس عصر اليابان ولا عصر الصين ولا عصر الهند كل هذه ليست هي الفاعلة الفاعل الأكبر في المجال الحضاري هو الغرب وهو المركز وباقي العالم بما فيهم المسلمون هم هوامش ولهذا إذا قيل هذا الإنسان عصري فالمقصود به أنه يدخل المنح الغربي في حياته في فكره إلى غير ذلك وإذا قيل متأثر بعصره فليس المقصود أنه متأثر بالهندوس أو اليابانيين أو نحوهم إنما هو متأثر بالغرب أيضا طبعا التأثر بالغرب ليس خاصا بفئة من الناس التأثر بالغرب عام في كل الناس حتى أعتا الرافضين للغرب المستوحشين منه هم متأثرين به منفعلون به ومن هنا فمقصودنا بالعصرانية التأثر بالغرب ليس هو مجرد التأثر إنما هو الأثر المتجاوز ولذلك قلنا عصرانيين ولم نقل عصريين تختم بالألف والنون التي تكون للمبالغة خلاصة القول في العصرانية ( تعريف ) : أنها الإنفعال بالمعطيات الاجتماعية والفكرية للحضارة الغربية بمؤسساتها ونظمها ومناهج فكرها ومدارسها الادبية والفنية وربط الناس والمجتمع العربي بها بحيث تكون لهذه المعطيات أولية على الثوابت .
النخبة العصرانية هي النخبة التي انفعلت بهذا المعطيات وقادت مجتمعاتها نحو هذا الانفعال على حساب الدين والقيم هذه هب العصرانية طبعا هناك متفاوتون في هذا الاتجاه بعضهم كافر بالإسلام جملة وتفصيلا تماما لا يؤمن بوجود الله كالماركسيين والوجوديين وغيرهم ، وبعضهم لا هو يتحرك خارج دائرة الدين لكنه يتحاشى أن يصادم أساسيات الدين وبعضهم يحاول أن يؤول الدين بما يتفق معه فهم متفاوتون ليسوا نمط واحد بل مختلفون .
من ابرز هذه تيارات هذه النخبة العصرانية ( اليساريون – الماركسيون –الاشتراكيون – الشيعيون والقوميون وما يسمى باليسار الإسلامي .
طبعا نحن هنا عندما نحدد ونصنف النخب والتيارات لا نهدف بذلك إلى إصدار أحكام لا بالإيمان أو الكفر ولا بالجنة ولا النار فهذا ليس مجالنا نحن هنا فقط معرفين نوصف فالتصنيف هذا من أجل المعرفة فقط .
السؤال الآن
هذه الحضارة الغربية التي تأثروا بها وأصبحوا عصرانيين لأنهم تأثروا بها
ما هي هذه الحضارة الغربية ؟ كيف نتصورها ؟
الحضارة الغربية أو الفكر الغربي المعاصر ليس صورة واحدة وليس حتى نمط ثابتا الفكر الغربي فكر متحول لين متجدد يتجدد في مدارسه يتجدد في نظرياته حتى في فلسفاته اللبرالية ثم الاشتراكية الحداثة وما بعد الحداثة لكن هناك تقريبا عناصر نستطيع أن نقول أنها هي العناصر الموجهة لهذا الفكر الغربي منذ بداية عصر النهضة أبرز هذه العناصر التي تمثل رؤية الفكر الغربي المعاصر .
1- أن الكون مستغني بنفسه لا يحتاج إلى مصادر أخرى توجهه هذا العالم الذي نعيشه فيه قوانين هي التي تحكمه ولا دخل لله به لمن يؤمن منهم بوجود الله يرى أنه لا دخل له في هذا العالم .
2- أن الإنسان هو سيد الكون الإنسان مطلق التصرف في الطبيعة ليس هناك سلطة فوقه .
3- الإنسان جاء ثمرة تطورات طبيعية للمخلوقات التي أدنى منه .
4- العقل هو أداة الإنسان الوحيدة لإدراك الطبيعة وكشف الكون من حوله وليس له مصادر أخرى .
5- تاريخ الإنسان تقدمي ووحيد الاتجاه وهذه هي ما يسمى بنظرية التطور يعني أن كل شيء جديد هو أفضل من القديم دائما الجديد هو أفضل من القديم طبعا هذه جاءت النظرية حينما كان الصراع بين الكنيسة وبين رواد العلم التجريبي أرادوا أن يجعلوا الناس يتبعونهم فقالوا أن كل جديد هو دائما أفضل من القديم ومعنى هذا أن ما عندهم هو أفضل من ما عند الكنيسة لأنه قديم ثم أصبحت هذه نظرية عامة في كل شيء ولم تبقى في الغرب بل هي انساقت حتى للأمم الأخرى ومنها الأمة الإسلامية الآن عندما تخرج نماذج جديدة للجوال مثلا هل الذي سيشترى هذا الجوال الجديد هل سيبحث أو يشتري الجوال الذي كان قبل ثلاث سنوات ويوازن بينهما لا تلقائيا ينساق هذا الجديد إذا هذا هو الأفضل وهكذا
هذه النظرية قد تصدق أحيانا يعني العلم التجريبي المادي غالبا هي صادقة فيه لأنه مبني على القديم وفيه زيادة إبداع وهي ليست خاطئة بشكل عام لكنها حينما تعمم في كل شيء هنا الخطأ .
6- أن المجتمع الغربي هو الحلقة الأكثر تطورا في أنماط المجتمع البشري كله يعني أن الغرب هم الأفضل حضارة الغرب هي أفضل الحضارات كل شيء حتى الدين النصراني الذي يرفضونه هم هو أفضل الأديان كلها الموجودة في عالم اليوم هذه ابرز عناصر الرؤية الغربية الحديثة ومن ثم المعاصرة ومن هذه الرؤية انبثقت الفلسفات والنظريات والمناهج الفكرية طبعا هذه الرؤية فيها جوانب إيجابية وفيها جوانب سلبية كبرى كما هو معروف .
نعود الآن النخبة العربية العصرانية ولدينا هنا سؤالان هما
س1 : هل استوفت هذه النخبة عناصر الشخصية الثقافية هل كانت مثقفة حقا يعني مستحقة لريادة أمتها ؟
س2: هل حققت هذه النخبة ما وعدت به أمتها بصفتها رائدة لها من تقدم ونهوض وتحضر واستقلال ووحدة وكرامة ؟
هذان السؤالان على أساسهما سيكون نظرنا في هذه النخبة طبعا أنا أؤكد أني هنا لا أتحدث عن أفراد انا أتحدث عن نفس عام نخبة عامة قد يكون قد يكون هناك عدد من هؤلاء الآلاف يخرجون من الحكم الذي أحكمه به لكن هذا لا يلغي القاعدة بل يؤكدها كما هي القاعدة المشهورة (أن الشذوذ يؤكد القاعدة لا ينفيها ) ثم ينبغي أيضا أن نقدر في الوضع الذي عاشوا فيه فهو كان وضعا مختلفا من حيث الحالة التي كان يعيشها المسلمون وأوضاع أخرى كثيرة .
قبل أن أجيب على السؤالين الذين طرحتهما أريد أن أؤكد أن هذه النخبة العصرانية العربية كان لها جهود مشكورة على المستوى المعرفي والمؤسسي ومن هذه الجهود التي قامت بها( إنشاء النوادي والصالونات الثقافية- تشكيل الأحزاب المناهضة للاستعمار – تأسيس المدارس الحديثة والجامعات –إدخال أنماط المعرفة الحديثة للمجتمعات العربية - إحياء اللغة العربية وإخراج معاجمها وإقامة المجامع اللغوية - بعث شيء من التراث العربي وتحقيقه ونشره هذه كلها جوانب بشكل عام تعتبر جوانب إيجابية قدمتها النخبة العصرانية ولكن على الرغم من هذه الجهود إلا أنه لا يمكن إجابتنا على السؤالين اللذين طرحناهما إلا باتهام خطير نوجهه على هذه النخبة .اتهام شديد قاسي ولكنه واقع لا يدافع فيه ولا يتستر عليه واقع مشهود أورث الأمة فيما تعانيه الآن من فوضى من تخبط من كيد من سرعة انحدار نتيجة افتقاد هذه النخبة أي سمة من سمات المثقف الإيجابية وكونها لم تتقدم بأمتها خطوه إلى الأمام بل أرجعتها إلى الوراء طبعا هذا اتهام خطير كما قلت ودعوة كبيرة جدا وخاصة أنه ضد شريحة مهمة في المجتمع العربي وهنا تحتاج هذه الدعوة إلى إثبات ولابد لها من أدلة وإلا فإنه إثمٌ عظيم وافتراء أمام الله قبل أن يكون أمام الناس . لن أطيل في هذا انا سأذكر دليلين فقط لا أظن أن أحدا سيشك بعد أن أسوقهما على أنهما صادقان مؤكدان لهذه الحقيقة التي هي اتهام الآن .
الدليلان هما :الدليل الأول : واقع الأمة العربية والإسلامية :
واقع الأمة في كل شؤونها هذا الواقع الذي هو حاضر مشهود للجميع هذا الواقع الذي هو نتاج إمساك تلك النخبة العصرانية لأزمة الأمة لأكثر من قرن أمسكت قيادتها الثقافية والاجتماعية في أغلب مجتمعاتنا هذه القيادة التي أورثت الأمة سقوطا شاملا في كل شيء
( سقوط حضاري )إذ لم يتحقق نهوض ولا تقدم ولم تلحق الأمة العربية بالأمم الأخرى في مجال المنافسة الحضارية .
( سقوط اجتماعي ) لم يحقق للأمة في واقعها من القيم الاجتماعية العدالة حفظ الكرامة الإنسانية الارتقاء بالتنظيم الاقتصادي السلوك الاجتماعي لم يحقق لها شيئا ذا بال ، بل بالعكس تحكمت فيها أنواع الغش والرشاوى والفساد الإداري والمالي حتى أصبح هذا الفساد هو الوضع الطبيعي وأصبحت النزاهة والنظافة هي المستغربة .
(سقوط ثقافي ) لم يستطع أن يوجد للأمة هوية مميزة بين الأمم مما جعل الأتباع هذه في هذا العالم بل جعل النخبة نفسها جعلها سلعة تباع وتشترى في كل صنف من تاجر من تجار الثقافة .
(سقوط سياسي ) لم يحقق للأمة أي من وعود النخبة لا تحررا حقيقيا من الاستعمار نعم هناك تحرر شكلي لكن هذا التحرر كان وبالا على الأمة لو كانت الأمة تعيش في ظل الاستعمار لكان حالها خيرا من حالها حينما عاشت في الدول الوطنية التي خلفت الاستعمار ولم يحقق وحدة عربية رغم الصياح بها عقود من السنين ولم يحقق شورى أو ديمقراطية .
وهو (سقوط عسكري ) عجزت فيه أمة تتجاوز المليار ومائتي ألف الآن مائتي مليون أن تواجه عدوا مزروعا في وسطها تحيط به هي من كل جانب ل يتجاوز بضعة ملايين .
وهو (سقوط معنوي ) حطم آمال الأمة نحو النهوض وقاد الأمة على ورطات متتابعة وجعل الأمة تكاد تصل إلى حالات اليأس في مجال النهوض الحضاري هذه الحال التي ذكرتها عبر السقوطات المتعددة هذه واقع لا يماري فيها أحد ثم لا يمكن أن يماري أحدا بأن هذه النخبة هي التي أوصلت الأمة إلى هذا أن النخبة العصرانية تحديدا هي التي قادة الأمة إلى هذا السقوط المريع في كل المجالات وفي مختلف الجوانب .
انا عندي مجموعة من النصوص للعصرانيين أنفسهم التي يعترفون فيها بأنهم هم الذين أسقطوا الأمة في هذه المجالات لكن الوقت لا يسمح باستعراض شيء كثير لكن ممكن أن ترفق بشكل سريع .
يقول أحدهم في أحد كتبه : ( واصل الفكر المتغرب هذه الحرب -يقصد الحرب على الإسلام – ظنا منه أن في ذلك تحريرا للشعب وتحريرا للمرأة وتخلصا من سلطة الأب في العائلة وإطلاقا للعقل ودفاعا في سبيل التقدم الاجتماعي ولكنه ما درى أن تلك الحرب تأتي بنتائج معاكسة تماما إذ انكشفت الحقيقة عن أن الشعوب تحطمت وشلت والمرأة تاهت وضاعت والعائلة تمزقت وتخبطت والعقل أصبح مغلولا إلى الغرب وأنه قد أصبح الاستقلال تبعية والتقدم الاجتماعي مزيدا من التخلف ثم وصلت الأمور إلى أن يعلن ذلك الابن نفسه أننا نعيش زمان الانحطاط العربي )
نديم البيطار في كتابه ( سقوط الإنتلجنسي العربي ) يعني سقوط النهضة المثقفة العربية يقول في سطرين منه : ( إن الشعب العربي فيما يعانيه الآن هو ضحية لغياب الإمكانات النضالية إمكانات العطاء الذاتي والطاقة الإنساني أو غياب الأوضاع الموضوعية الملائمة بل نتيجة نخبة أضاعت كل ذلك نتيجة سقوطها الفكري إنها قصة نخبة تحملت مسؤوليات لم تكن أهلا لها وتصدرت نضالا غير مؤهلة له )
هذا هو الدليل الأول كما قلت دليل واضح وصارخ وواقع وقائم لا يمارى فيه
الدليل الثاني : هو الاعترافات الصريحة من قبل عامة رواد عامة هذه النخبة بالفشل الشامل :
ليس لعملهم فقط بل لأشخاصهم لأنهم فاشلون هم بأشخاصهم أنهم لم يحققوا تلك العناصر الأساسية لشخصية المثقف لا إبداع ولا سمت شخصي ولا واقعية اجتماعية ....الخ
وهذه الاعترافات التي سأسوق نماذج منها فقط هذه ليست مجرد اعتراف شخص أو شخصين أو عشرة فقط هي اعترافات المئات بل الآلف حقيقة من المثقفين العرب عبر مجموعة كبيرة من الكتب التي كتبوها في هذا المجال وعبر أيضا ندوات عقدت وعقها هؤلاء على طرق مختلفة عبر مركز الرسائل والبحوث العربية جمعية (.....) وغيرها من المؤسسات التي عقدت ندوات في هذا المجال من الكتب فقط للتمثيل فقط لكم لمن أرادت التزود بها كتاب
( الإنتلجنسي العربية ) تأليف سعد الدين إبراهيم -(سقوط الانتلجنسي العربية ) نديم البيطار -(نهاية الداعية ) عبد الإله بنقزيز -(اغتيال العقل) برهان مزعوم (أوهام النخبة) ....-(خيانة المثقفين )عبد الحكيم بدران -(الثقافة العربية في عصر العولمة ) تركي الحمد -(جذور أزمة المثقف العربي ) لؤي صافي واحمد مصري-(الخطاب العربي المعاصر ) هادي إسماعيل .هذه نماذج فقط من الكتب التي تناولت هذا المجال
سنأتي الآن لاستعراض اعترافاتهم في بعض العناصر ليس جميعها بل بعض العناصر
أول عنصر من هذه العناصر هو
الإبداع : نحن عرفنا أن الإبداع هو الثقافة حقيقة المثقف هو المبدع ليس هو الجامد هذا لا شك فيه .هم كانوا يحاربون المثقف التقليدي أو المثقف السلبي يحاربونه لأنه ليس مبدعا مجرد مجتر لتراثه المشكلة ...( ناقص سطر السموحة J ) ...............................................................................................................
بينما هذا المثقف العصراني يجتر تراث أمة أخرى لأمته .
يقول إيليا حريض : ( يبدو أننا معشر المفكرين العرب لانزال في دوامة التقليد والنقل إلى درجة تفوق ما نتصوره لقد أخذنا الاشتراكية وصفة من الكتب ونحاول اليوم أن نفعل الأمر ذاته في مسألة الديمقراطية .
ويقول الماركسي عبد الباسط عبد المعطي رئيس الجمعية العربية لعلم الاجتماع يقول : ( إن معظمنا يعيد إنتاج الفكر الغربي استسهالا للاستهلاك )
ويقول عبد الإله بن قزيز : ( هناك شعور طاغٍ يغمر من يبحث في إجابات عن أسئلة الثقافة والاجتماع أن المثقفين العرب لا يفعلون إزاء الأسئلة في أفضل الأحوال سوى إعادة إنتاج المقولات الغربية بما معناه أنهم يجهرون بالعدل عن ممارسة أي نوعٍ من أنواع المبادرة والإبداع خارج سياق التكرار والترداد أو تسول الأجوبة واستعارتها دون تمحيص )
لعل هذه المقولات تكفي وهناك عشرات المقولات في هذه النقطة تحديدا ولهذا أنهي هذه النقطة بحكم طبعا ليس للمثقف العربي هو لمثقف فرنسي لكنه يعتبر أستاذا لكثير من المثقفين العرب وهو جان سارتر كتب مقدمة لكتاب اسمه (معذبو العرب ) كتاب كتبه كاتب أفريقي اشتغل في الجزائر طبيب ثم التحق بالثورة الجزائرية ومات عام 1962 م بسرطان الدم عن وضع الأفارقة ومعاناتهم كتب مقدمة الكتاب الأستاذ الفرنسي متحدثا عن المثقفين : ( مثقفي العالم الثالث تحديدا في أفريقيا والعالم العربي : ( كنا نصيح من أمستردام أو برلين أو باريس الإخاء البشري فيرتد رجع أصواتنا من أفريقيا والشرق الأوسط كنا نقول ليحل المذهب الإنساني محل الأديان المختلفة وكانوا يرددون أصواتنا من أفواههم وحين نصمت يصمتون إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المغتربين لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعناه في أفواههم )
وبهذا نكون انتهينا من النقطة الأولى وهي الإبداع واعترافات المثقفين العصرانيين العرب بافتقادهم لها بشكل عام وبضعفها لدى عامة .ونقف على النقطة الثانية التي هي السمت الشخصي لنبدأ بها إن شاء الله المحاضرة القادمة .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
(7): اعترافات النخبة العصرانية بفشلهم
في المحاضرة السابقة تناولنا قضية فشل النخبة العصرانية ثقافيا وأكدنا ذلك بدليلين أولهما واقع الأمة العربية الإسلامية الذي انتهت إليه نتيجة قيادة هذه النخبة لها لمدة قرن ٍ أو يزيد والدليل الثاني هو اعترافات هؤلاء المثقفين وهذه النخبة بكاملها وليس مجرد أفراد ، اعترافاتها الصريحة بفشلها في كل الجوانب الثقافية ثم بدأنا في تناول هذه الاعترافات في عناصر ثقافية المثقف وأخذنا .
العنصر الأول: الإبداع وذكرنا مجموعة من اعترافاتهم في فقدانهم لهذا الإبداع وكونهم مجرد مستهلكين لثقافة الآخر مقلدين متميزين في عقم شديد في هذا المجال .
العنصر الثاني : هو السمة الشخصي وقد ذكرنا أن من عناصر شخصية المثقف هو أن والسماسرة.لاقاته مواقفه شخصيته أن تكون مواكبةً لمستواه الفكري والعلمي والمعرفي النخبة العصرانية في العالم العربي سقطت في هذا المجال سقطت في مجال القدوة حيث انتشرت في هذه النخبة أمراض كان المفترض أنهم هم الذين يعالجونها ( الانتهازية –التلون – بيع الذمم – ظلم الآخرين – إقصاء سواهم – التجني عليهم – الافتراء ) وغيرها من فواحش الأخلاق التي وقعت فيها هذه النخبة .
من اعترافاتهم في ذلك
علي حرب في كتابه أوهام النخبة يتحدث عن "أن الساحة الثقافي مليئة بالوسطاء والسماسرة ...."
عبد الإله برقزيز يقول :" لقد انهارت أخلاق الالتزام لدى عشيرة المثقفين الرحل باتت الأخلاق الوحيدة هي أخلاق المنفعة بالمعنى الشخصي البحت "
لكي نجيب محمود يقول:" أنهم كانوا يدعونا إلى قيم أوروبية الأصل لكنهم لم يعيشوها أبدا ولم يتأثروا بها أشهدوا شهادة صدق بنيتها على خبرة مباشرة أن روادنا من أعلام الجيل برغم ما كانوا يعرضونه مبثوثا في ثنايا ما يكتبونه من قم الحرية والعدالة و المساواة ..الخ قد كانوا احرص الناس على أن تبقى مسافات بعيده بينهم وبين من يتعاملون معهم من سواد الناس ، لقد كانوا يكتبون في عقولهم أما في قلوبهم وما تؤمن به فكانت متخلفة "
نديم البيطار: يقول أن الإنتلجنسي العربية كانت من النوع الذي لا يعرف الفضيلة لأن أعمالها لم تكشف عن إمكانات الإنسان العربي ، إنها سقطت أخلاقيا وكانت تمثل الشر لأنها بعثرت وشلت هذه الإمكانات بدلا من الكشف عنها " هذا فيما يتعلق بالسمة الشخصي .
العنصر الثالث : العلاقة في المجتمع وقد ذكرنا فيما سبق في شخصية المثقف ما سميناه "واقعية اجتماعية" ضرورة امتلاك تصور صحيح متماسك للواقع الاجتماعي وضرورة الفاعلية الحيوية في واقع المجتمع لتغييره وإصلاحه .
النخبة العصرانية في هذا المجال "فشلت" في التواصل الحميم مع المجتمع .
يقول الطاهر لبيب _مثقف عربي عالم اجتماع -: " لقد ظل المثقف العربي معزولا عن الفئات الشعبية لا يشارك في أنشطة الحياة اليومية والثقافية إلا عبر لقاءات بين زملائه وكثيرا ما تنقطع صلته بأهله وذويه "
ويقول حيدر إبراهيم علي مثقف سعودي :"يقول إن ثقافة النخبة العصرانية وتعليمها أوجد انفصالا بين فكرهم وبين واقع مجتمعهم وأمتهم أدى بهم إلى أن يتصرفوا بتعالٍ شديدٍ على مجتمعهم وشعبهم ، إذ اقتلعهم هذا التعليم عن بيئتهم ولم يستطع أن يزرعهم في وضع جديدٍ متقدم "
علي حرب يقول: " إن علاقة المثقف العربي في واقع الرهن علاقة سلبية عقيمة بل مدمرة في معظم الأحيان "
العنصر الرابع : "العلاقة بالإسلام " علاقة المثقف العربي العصراني بالإسلام المفروض أن المثقف العصراني العربي المسلم تحديدا يرتبط بالإسلام من خلال ثلاثة خيوط ، يعني المفترض أن علاقته بالإسلام تتأسس من خلال عناصر ثلاث
1- أول خيط هو خيط الانتماء خيط انتمائهم لدين هم ينتمون للإسلام ويعلنون هذا الانتماء . حتى لو تبنو فلسفات أخرى لكن انتمائهم قائم ويرفضون وصفهم بأنهم خارجون عن الإسلام .
وهؤلاء العصرانيون مثقفون بمعنى أنهم واعون فكريا وبالتالي فهم يدركون أن الانتماء الحقيقي ليس مجرد انتساب بالدين مع نفس الانتماء به . أو المفترض أنهم يدركون أن الانتماء للإسلام يعني ضرورة أن يتجاوز مجرد الانتماء الشكلي أو حتى الالتزام الشخصي بالصلاة والحج والعمرة ونحو ذلك دعوة التزام ثقافي بأن يكون الإسلام بصفته مقررات واقعة( في العقائد والقيم والأحكام )أن يكون هو منطلق رؤيته الثقافية ورابط جهده الشخصي .هذا شي بدهي .
2- العنصر الثاني أو الخيط الثاني من الخيوط التي يفترض أن تكون رابطة للمثقف العصراني بإسلامه :" هو العنصر الثالث الذي ذكرناه في عناصر شخصية المثقف" أنه لابد أن يكون من يتصف بالثقافة أن يمتلك رؤية عن الوجود والإنسان والحياة رؤية شاملة – تمثل تفسير لهذا الوجود – المقررات العقدية التي ينادي بها الإسلام في القرآن والسنة تمثل رؤية شاملة يعني تمثل تفسير للوجود في الغيب والشهادة في الإنسان وفي مختلف الجوانب المسمى المفترض تلقائيا لكونه مسلما يلتزم بهذه الرؤية ، هو لابد له من رؤية ومادامت هي موجودة في دينه فالأصل هو أن يهتم بها .
الخيط الثالث من خيوط علاقة المثقف العصراني العربي المسلم بدينه هو
3- يتمثل في أن المجتمع العربي الذي يتحرك فيه المثقف –وهو في الحقيقة شيء عام للمثقف العربي المسلم والمثقف العربي غير المسلم - أن هذا المجتمع يمثل الإسلام أكثر شيء فيه بل الإسلام هو صبغته الأساس فالمجتمع العربي وكما هو واضح (الإسلام هو هويته وتاريخه) الإسلام هو هويته الحضارية وهو الصبغة التي ينظر الآخر إليه من خلاله، فهم يتعاملون معه على هذا الأساس كالغرب مثلا هو يتعامل مع المجتمع العربي على أنه مجتمع متدين ...(مسلم وعربي) مترادفات في الفكر الغربي وهذا يعني أن من يتصدى لعملٍ ثقافي في هذا المجتمع لابد أن يعرف الإسلام الذي هو يكون هذا المجتمع ولابد أن يعتمد معرفته لهذا الدين في بنائه الثقافي هذه أشياء بدهية . وهي ما يفترض أن تكون عليه علاقة مثقف عربي مسلم بإسلامه. لكن النخبة العربية العصرانية فشلت في هذا أيضا .
النخبة العصرانية لم تعرف الإسلام معرفة متكاملة متماسكة لم تأخذ الإسلام من مصادره الإسلامية .
بعضهم جاء جاهلٌ الإسلام مع كونه بارعا في فكره الغربي وبعضهم لديه تصور عن الإسلام لكنه تصور مشوه ،لأنه فهم الإسلام إما من الدراسات الاستشراقية – قرأ عن الإسلام من خلال الغربيين -أو أنه تصور الإسلام من خلال الصورة السلبية التي تعيشها بعض المجتمعات المسلمة فتصور أن الإسلام هو تقديس للموتى والطواف بقبورهم وهو دجل وهو شعوذة وهو تواكل عن العمل وهو استغلال للعامة إلى غير ذلك ....
هذا هو حال المثقف العربي العصراني في النخبة الأولى .
يقول عبد الباسط عبد المعطي :" اهتم علم الاجتماع بالوطن العربي بالدين فكان التركيز على النقل من المكتبة الغربية وبخاصة أعمال دوستايم ومكسيفر ونوتوبراين وغيرهم ، ومن حاول الاقتراب من التراث الإسلامي عني أكثر بتأويل النصوص –الشرعية – وهو تأويل يمر بمصفاة الحقد الغربي "
ولم يعطوا المثقفون العصرانيون العرب الإسلام قيمته لا بصفته دينهم ولا بصفته أعلى مؤثر في المجتمع العربي ولهذا هم مابين رافض للإسلام متنكر له كما لدى الماركسيين والوضعيين والوجوديين الملاحدة وبين أخرا فاعلا بأن الإسلام عبء لا انفكاك منه في المجتمع العربي ولهذا فهو مضطر أن يعطي هذا الإسلام قيمة جزئية فهو يعتبر الإسلام جزء من التراث العربي مثلا أو أنه مقبول بصفته مرجع ديني لكن على أن يكيف يفسر وفق متطلبات العصر الفكرية وبين ثالث يناور في علاقته بالإسلام فهو من جهة يؤكد إسلامه ، فيبرز أمام الناس أنه حج وأنه اعتمر أكثر من مرة مثلا أو أنه يصلي لكنه يؤول موقفه الثقافي من القضايا الدينية فيمارس قضية خداع أو تضليل أو مراوغة في هذا الموقف .
أو بين شخصٍ يؤول عدم مصادمة الإسلام إما لوجود إيمان بداخل قلبه يحمله أو وجود جو ديني يحيط به أو يحاذر من أن يصادم قطعيات الإسلام .لكن منطلقاته الفكرية وأطروحاته الثقافية تسبح خارج دائرة الإسلام .
خلاصة القول في علاقة النخبة العصرانية بالإسلام
أن الإسلام في صورته الأصلية التي جاء بها القرآن والسنة ليس مرجع هذه النخبة
الذين يتعاملون الآن في الأونة الأخيرة مع مصادر الإسلام مع القرآن بالذات بما يسمى "بالقراءات المعاصرة في النصوص" هؤلاء يتعاملون مع الإسلام من خلال مناهج وافدة يعني هم يقرؤون الإسلام انطلاقا من مذهبيات أخرى وليس العكس فالإسلام هنا ليس مرجعية له لكنه موضوع ....
أخيرا –آخر نقطة في عناصر الاعترافات التي سقناها –
هي الإفلاس
(الفشل السقوط الأزمة ) هذه عناوين لوصف النخبة العصرانية .
النخبة العصرانية الآن ومنذ أكثر من خمسة عشر عاما تعلن كما يقول إيليا حريض :" تعلن بأن النتائج المفجعة التهور الهزائم العسكرية المتتالية الحكم المستبد الفشل في تحقيق الوحدة العربية النزاع بين أشقاء إلى درجة الإسفاف المخجل تصفية القضية الفلسطينية تفاقم شأن الطائفية انتهاك حرمة وحقوق الإنسان العربي استمرار تفشي الفقر السجل طويل ويكاد يحبط العزيمة ويقضي على الآمال والسبب هم المثقفون العصرانيون وعلينا أن لا ننسى أن مجموعة أهل الفكري هي البيئة التي يثقف منها السياسيون نحن إذا مسؤولون ونحاسب على ما جنته أقلامنا "
المثقف العربي كما يقول صلاح الدين الجورشي :"يشعر على انه غير قادر على التأثير في الواقع وأن كلمته غير مسموعة بل غير مفهومة وأن علاقته بالعصر قد اختلت وبالجمهور قد اختلت هي أيضا
عبد الوهاب بو حديبة :"أنه ليس لنا في البلاد العربية مصداقية وبما أنه ليس لنا مصداقية فإنه ليس لنا فاعلية "
إفلاس وانهيار يكاد أ يحبط العزيمة كما قال إيليا حريض ويحطم الأمل
فادي إسماعيل في كتابه( الخطاب العربي المعاصر)وهو دراسة نقدية للنخبة المثقفة يقول "لقد أخفقت العصرانية كما أخفقت العقلانية وهذا جزء من إخفاق الحداثة ككل في تجربية التقدم العربي وما التفكك السياسي والتورط الثقافي والحروب الإقليمية والطائفية والتبعية الاقتصادية والصعود السياسي وإقصاء التيار الديني ما كل ذلك إلا عناوين دالة على هذا الإخفاق الكلي "
إذن أخفقت سقطت النخبة العصرانية وسقطت معها مشروعاتها القومية الناصرية أبو رقيبية البعثية الاشتراكية الخ .
بعد هذا السقوط لدى النخبة العصرانية ما هي حالته ما هي وضعية النخبة العصرانية بعد سقوطها ..."ليسوا سواء"
المسالك التي اتجه إليها العصرانيون بعد فشل عصرانيتهم
لقد اختلفت مساراتهم وتفاوتت في الآونة الأخيرة هناك فئة من هؤلاء المثقفين العصرانيين ؟؟ تشهد لهم جهودهم ومواقفه وتطهرهم من هذه الوضعية المقيتة التي عليها النخبة العصرانية بشكل عام يعني لديهم نزاهة علمية فيهم إخلاص للأمة فيهم احترام نوعا ما لقيم الإسلام عندهم شيء من الإبداع الفكري على الأقل هؤلاء موجودون نعم ليسوا كثير لكنهم موجودون . (مثل برهان قيوم – عبد الإله برقزيز – كاثلي جدعان – محمد جابر الأنصاري وغيرهم ...ومازالوا يقدمون حتى الآن العصرانية مازالوا جهودا..
هناك من الفئة يواصلوا دفاعهم العصراني السابق على الرغم من انكشاف زيفه وفساده إلا أنه واصل عملية إغراق المجتمع العربي في التغريب ووقف في وجه المد الإسلامي والصحوة الإسلامية واندرج في موقف العولمة التي يتصور أنها إنقاذ له بعد أن اكتسحت الصحوة الإسلامية في فترة مضت الساحة وأصبح وضع شذوذ في مجتمعه جاءت العولمة التي تمثل كما يتصور عامل إنقاذ له فيما تسعى هذه العولمة من تغريب المجتمع كله يعني إلى تحقيق المهمة التي كان يقوم هو بها .
هناك من هؤلاء المثقفين من انسحب من الساحة يعني توقفت أو كادت جهوده الثقافية ربما لشعور بالخيبة كما يقول عبد الإله برقزيز .أو ربما لأنه لا يريد أن يتمادى في عملية فاشلة، وربما نوع من بقايا الحياء لديه أن يواصلوا العمل مع قيادات مكشوفة الفساد أو غير ذلك المهم أن موقفه هو موقف الانسحاب.
هناك من هؤلاء المثقفين من وقع في الإدمان –يعني أصابه نوع من الوساوس من هول النهاية التي وصل إليها فلم يجد أمامه إلا مجالا للهروب من هذا الواقع الذي حل به إلا حالة التماس أو حالة "حالة أخرى هي حالة الانتحار " وقد كثرت في الآونة الأخيرة منذ عشرين تقريبا دعوات بعض المثقفين إلى –انتحار المثقفين – يدعون المثقفين أن ينتحروا أسوة بعض الغربيين الذين يفشلون في بعض الأعمال العسكرية ونحوها ثم ينتحرون ...وقد انتحر مجموعة من هؤلاء المثقفين ولهذا كتب محمد جابر الأنصاري المثقف البحريني كتب كتابا عنوانه –(ظاهرة انتحار المثقفين العرب ) .
وهناك كذلك محمود عبد الفضيل في بحث له أيضا حول هذه القضية ذكر مجموعة من المثقفين العرب اعتبر أنهم منتحرون مثل جمال حمدان من مصر محمد حسن من العراق وغيرهم .
هناك من المثقفين العصرانيين من هجر موقعه الثقافي وهاجر نحو مجالات الأدب وبالذات الرواية من أجل أن يعبر عن ما يريد من خلال الرمز الذي يحتمي به من سطوت المجتمع ومنهم من هاجر هجرة حقيقية نحو المجتمعات الثقافية من أجل أن يحتمي بها أيضا من سطوة هذا المجتمع الذي انقلب عليه واسقط مشاريعه .
ومن هؤلاء من انقلب على وجهه الثقافي فالتحق بطوابير العمالة (أي بالمخابرات الأجنبية ) أو بمشاريع العولمة ضد مجتمعاتهم وأمتهم .
هناك فئة من المثقفين العصرانيين وقع في تصوره أن سبب فشل مشروعها الثقافي العصراني هو أنه تقاطع مع التراث وأنه كان يرفض التراث بشكل مجمل وان هذا التراث جعل الناس يتشبثون به فأصبح الناس تراثيين وأصبحت تلك المشاريع الوافدة مشاريع ناشزة غير متحدة مع الناس غير مقبولة لديهم لهذا اتجهت هذه الفئة من العصرانيين نحو حل هذه المشكلة فقال ينبغي أن ننادي بالعودة إلى التراث ونتعامل معه نقول للناس نحن لدينا تراث ..الخ ، وتعاملهم مع التراث أخذ صور عديدة لدى بعضهم إما صورة النقد الهدمي للتراث لما في التراث من مقولات ومواقف منطلقة من مسلمات ويقينيات أحيانا كما عند الجابري هشام جعيث وغيرهم أو تعاملوا مع التراث بانتزاعات انتقائية فهم يرجعون مثلا إلى المعتزلة لإثبات العقلانية حرية الإنسان الفكرية يرجعون مثلا إلى القرامطة وثورات الزنج مثلا لإثبات اشتراكية التراث العربي وهكذا .
المهم أن دور التراث هنا هو أن يقوم موظفا لخدمة مذاهب لديهم ( مذاهب عصرانية ) يعني التعامل مع التراث بهذه الصورة هو تصفيته هدف تسويقي لما عندهم .
هذه الفئة التي اتجهت إلى التراث وفق دراسات مختلفة هي أوسع وأضرس فئات المثقفين العرب العصرانية الآن لأنهم هم أصحاب المشاريع الكبيرة والجهود الضخمة مثل محمد عابد الجابري - حسن حنفي - طيب تيزيمي- لكي زكي محمود – محمد عروس – محمد الكوري وغيرهم كثير .
هناك من الفئات من رجعت إلى دينها إلى إسلامها وأيقنت أن الإسلام ليس مجرد دين تاريخ أدى دورا في عصر سابق وانتهى ولكنه دين يحمل حركة نقلة لأمته ،طبعا هؤلاء الراجعون في الإسلام من النخبة العصرانية متفاوتون ليسوا صورة واحدة بعضهم استطاع أن يملك نوع من الصفاء الفكري يعني نوع من الإسلامية الجيدة فكريا أو ثقافيا وبعضهم رغم صدقه في العودة إلى دينه إلا أنه لم يستطع أيتخلص من آثار الفكر العصراني عليه طبعا هذا الرجوع من قبل النخبة العصرانية ليس موقوتا بالسقوط الذي حدث منذ العشرين سنة الأخيرة ...لا ، هو حركة فردية منذ بدأت الحركة العصرانية في العالم العربي لكنه كثر واتضح بعد ذلك حتى قال جمال بارود :" هذا الخطاب الإسلامي هل يمكن أن يكون الخطاب العربي الذي لاسيما بعد أن رأينا من نزوح وتحول لبعض الفئات الماركسية وخصوصا المادية باتجاه الإسلام وتأكيد ترابط الإسلام والعروبة من طرف اتجاهات القومية
من نماذج هؤلاء الراجعين ( منصور فهمي ) الذي كان يقول عن نفسه ملحد الذي قال بعد أن قرأ صحيح البخاري :" وجدت أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من كل فلسفة ولذلك أن أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ".
أيضا من هؤلاء محمد حسين هيكل – إسماعيل مظهر الذي كان يدعو للإلحاد قبل أن يتوب – خالد محمد خالد وهو مشهور الذي كتب كتاب من هنا نبدأ أظهر فيه العلمانية المغالية رافضة للدين ثم هو بعد ذلك صاحب الكتب الإسلامية (رجال حول الرسول) مثلا وغيرها
من هؤلاء مثلا محمد جلال كشك الكاتب الإسلامي الذي كان أمين الحزب الشيوعي المصري في وقت مضى
من هؤلاء منير شفيق الذي كان عضو في الحزب الشيوعي الأردني ثم هو صاحب المؤلفات الإسلامية الصافية الآن
من هؤلاء جلال أمين الذي تنقل البعث والمركسية والوضعية ثم عاد بعد ذالك للإسلام من هؤلاء محمد عمارة ،عبد الوهاب المسيري ، طارق البشري - عادل حسين - عبد الرحمن بدوي المفكر الوجودي المشهور الذي قال قبل وفاته بشهرين:" أشعر الآن بالحاجة إلى من يغسلني بالماء الصافي الرقراق لكي أعود من جديد مسلماً حقاً إنني تبت إلى الله وندمت على ما فعلت "ومن هؤلاء ،زكي نجيب مكفي
انتهينا من المسالك التي اتجه إليها العصرانيون بعد فشل عصرانيتهم .
(7): اعترافات النخبة العصرانية بفشلهم
في المحاضرة السابقة تناولنا قضية فشل النخبة العصرانية ثقافيا وأكدنا ذلك بدليلين أولهما واقع الأمة العربية الإسلامية الذي انتهت إليه نتيجة قيادة هذه النخبة لها لمدة قرن ٍ أو يزيد والدليل الثاني هو اعترافات هؤلاء المثقفين وهذه النخبة بكاملها وليس مجرد أفراد ، اعترافاتها الصريحة بفشلها في كل الجوانب الثقافية ثم بدأنا في تناول هذه الاعترافات في عناصر ثقافية المثقف وأخذنا .
العنصر الأول: الإبداع وذكرنا مجموعة من اعترافاتهم في فقدانهم لهذا الإبداع وكونهم مجرد مستهلكين لثقافة الآخر مقلدين متميزين في عقم شديد في هذا المجال .
العنصر الثاني : هو السمة الشخصي وقد ذكرنا أن من عناصر شخصية المثقف هو أن والسماسرة.لاقاته مواقفه شخصيته أن تكون مواكبةً لمستواه الفكري والعلمي والمعرفي النخبة العصرانية في العالم العربي سقطت في هذا المجال سقطت في مجال القدوة حيث انتشرت في هذه النخبة أمراض كان المفترض أنهم هم الذين يعالجونها ( الانتهازية –التلون – بيع الذمم – ظلم الآخرين – إقصاء سواهم – التجني عليهم – الافتراء ) وغيرها من فواحش الأخلاق التي وقعت فيها هذه النخبة .
من اعترافاتهم في ذلك
علي حرب في كتابه أوهام النخبة يتحدث عن "أن الساحة الثقافي مليئة بالوسطاء والسماسرة ...."
عبد الإله برقزيز يقول :" لقد انهارت أخلاق الالتزام لدى عشيرة المثقفين الرحل باتت الأخلاق الوحيدة هي أخلاق المنفعة بالمعنى الشخصي البحت "
لكي نجيب محمود يقول:" أنهم كانوا يدعونا إلى قيم أوروبية الأصل لكنهم لم يعيشوها أبدا ولم يتأثروا بها أشهدوا شهادة صدق بنيتها على خبرة مباشرة أن روادنا من أعلام الجيل برغم ما كانوا يعرضونه مبثوثا في ثنايا ما يكتبونه من قم الحرية والعدالة و المساواة ..الخ قد كانوا احرص الناس على أن تبقى مسافات بعيده بينهم وبين من يتعاملون معهم من سواد الناس ، لقد كانوا يكتبون في عقولهم أما في قلوبهم وما تؤمن به فكانت متخلفة "
نديم البيطار: يقول أن الإنتلجنسي العربية كانت من النوع الذي لا يعرف الفضيلة لأن أعمالها لم تكشف عن إمكانات الإنسان العربي ، إنها سقطت أخلاقيا وكانت تمثل الشر لأنها بعثرت وشلت هذه الإمكانات بدلا من الكشف عنها " هذا فيما يتعلق بالسمة الشخصي .
العنصر الثالث : العلاقة في المجتمع وقد ذكرنا فيما سبق في شخصية المثقف ما سميناه "واقعية اجتماعية" ضرورة امتلاك تصور صحيح متماسك للواقع الاجتماعي وضرورة الفاعلية الحيوية في واقع المجتمع لتغييره وإصلاحه .
النخبة العصرانية في هذا المجال "فشلت" في التواصل الحميم مع المجتمع .
يقول الطاهر لبيب _مثقف عربي عالم اجتماع -: " لقد ظل المثقف العربي معزولا عن الفئات الشعبية لا يشارك في أنشطة الحياة اليومية والثقافية إلا عبر لقاءات بين زملائه وكثيرا ما تنقطع صلته بأهله وذويه "
ويقول حيدر إبراهيم علي مثقف سعودي :"يقول إن ثقافة النخبة العصرانية وتعليمها أوجد انفصالا بين فكرهم وبين واقع مجتمعهم وأمتهم أدى بهم إلى أن يتصرفوا بتعالٍ شديدٍ على مجتمعهم وشعبهم ، إذ اقتلعهم هذا التعليم عن بيئتهم ولم يستطع أن يزرعهم في وضع جديدٍ متقدم "
علي حرب يقول: " إن علاقة المثقف العربي في واقع الرهن علاقة سلبية عقيمة بل مدمرة في معظم الأحيان "
العنصر الرابع : "العلاقة بالإسلام " علاقة المثقف العربي العصراني بالإسلام المفروض أن المثقف العصراني العربي المسلم تحديدا يرتبط بالإسلام من خلال ثلاثة خيوط ، يعني المفترض أن علاقته بالإسلام تتأسس من خلال عناصر ثلاث
1- أول خيط هو خيط الانتماء خيط انتمائهم لدين هم ينتمون للإسلام ويعلنون هذا الانتماء . حتى لو تبنو فلسفات أخرى لكن انتمائهم قائم ويرفضون وصفهم بأنهم خارجون عن الإسلام .
وهؤلاء العصرانيون مثقفون بمعنى أنهم واعون فكريا وبالتالي فهم يدركون أن الانتماء الحقيقي ليس مجرد انتساب بالدين مع نفس الانتماء به . أو المفترض أنهم يدركون أن الانتماء للإسلام يعني ضرورة أن يتجاوز مجرد الانتماء الشكلي أو حتى الالتزام الشخصي بالصلاة والحج والعمرة ونحو ذلك دعوة التزام ثقافي بأن يكون الإسلام بصفته مقررات واقعة( في العقائد والقيم والأحكام )أن يكون هو منطلق رؤيته الثقافية ورابط جهده الشخصي .هذا شي بدهي .
2- العنصر الثاني أو الخيط الثاني من الخيوط التي يفترض أن تكون رابطة للمثقف العصراني بإسلامه :" هو العنصر الثالث الذي ذكرناه في عناصر شخصية المثقف" أنه لابد أن يكون من يتصف بالثقافة أن يمتلك رؤية عن الوجود والإنسان والحياة رؤية شاملة – تمثل تفسير لهذا الوجود – المقررات العقدية التي ينادي بها الإسلام في القرآن والسنة تمثل رؤية شاملة يعني تمثل تفسير للوجود في الغيب والشهادة في الإنسان وفي مختلف الجوانب المسمى المفترض تلقائيا لكونه مسلما يلتزم بهذه الرؤية ، هو لابد له من رؤية ومادامت هي موجودة في دينه فالأصل هو أن يهتم بها .
الخيط الثالث من خيوط علاقة المثقف العصراني العربي المسلم بدينه هو
3- يتمثل في أن المجتمع العربي الذي يتحرك فيه المثقف –وهو في الحقيقة شيء عام للمثقف العربي المسلم والمثقف العربي غير المسلم - أن هذا المجتمع يمثل الإسلام أكثر شيء فيه بل الإسلام هو صبغته الأساس فالمجتمع العربي وكما هو واضح (الإسلام هو هويته وتاريخه) الإسلام هو هويته الحضارية وهو الصبغة التي ينظر الآخر إليه من خلاله، فهم يتعاملون معه على هذا الأساس كالغرب مثلا هو يتعامل مع المجتمع العربي على أنه مجتمع متدين ...(مسلم وعربي) مترادفات في الفكر الغربي وهذا يعني أن من يتصدى لعملٍ ثقافي في هذا المجتمع لابد أن يعرف الإسلام الذي هو يكون هذا المجتمع ولابد أن يعتمد معرفته لهذا الدين في بنائه الثقافي هذه أشياء بدهية . وهي ما يفترض أن تكون عليه علاقة مثقف عربي مسلم بإسلامه. لكن النخبة العربية العصرانية فشلت في هذا أيضا .
النخبة العصرانية لم تعرف الإسلام معرفة متكاملة متماسكة لم تأخذ الإسلام من مصادره الإسلامية .
بعضهم جاء جاهلٌ الإسلام مع كونه بارعا في فكره الغربي وبعضهم لديه تصور عن الإسلام لكنه تصور مشوه ،لأنه فهم الإسلام إما من الدراسات الاستشراقية – قرأ عن الإسلام من خلال الغربيين -أو أنه تصور الإسلام من خلال الصورة السلبية التي تعيشها بعض المجتمعات المسلمة فتصور أن الإسلام هو تقديس للموتى والطواف بقبورهم وهو دجل وهو شعوذة وهو تواكل عن العمل وهو استغلال للعامة إلى غير ذلك ....
هذا هو حال المثقف العربي العصراني في النخبة الأولى .
يقول عبد الباسط عبد المعطي :" اهتم علم الاجتماع بالوطن العربي بالدين فكان التركيز على النقل من المكتبة الغربية وبخاصة أعمال دوستايم ومكسيفر ونوتوبراين وغيرهم ، ومن حاول الاقتراب من التراث الإسلامي عني أكثر بتأويل النصوص –الشرعية – وهو تأويل يمر بمصفاة الحقد الغربي "
ولم يعطوا المثقفون العصرانيون العرب الإسلام قيمته لا بصفته دينهم ولا بصفته أعلى مؤثر في المجتمع العربي ولهذا هم مابين رافض للإسلام متنكر له كما لدى الماركسيين والوضعيين والوجوديين الملاحدة وبين أخرا فاعلا بأن الإسلام عبء لا انفكاك منه في المجتمع العربي ولهذا فهو مضطر أن يعطي هذا الإسلام قيمة جزئية فهو يعتبر الإسلام جزء من التراث العربي مثلا أو أنه مقبول بصفته مرجع ديني لكن على أن يكيف يفسر وفق متطلبات العصر الفكرية وبين ثالث يناور في علاقته بالإسلام فهو من جهة يؤكد إسلامه ، فيبرز أمام الناس أنه حج وأنه اعتمر أكثر من مرة مثلا أو أنه يصلي لكنه يؤول موقفه الثقافي من القضايا الدينية فيمارس قضية خداع أو تضليل أو مراوغة في هذا الموقف .
أو بين شخصٍ يؤول عدم مصادمة الإسلام إما لوجود إيمان بداخل قلبه يحمله أو وجود جو ديني يحيط به أو يحاذر من أن يصادم قطعيات الإسلام .لكن منطلقاته الفكرية وأطروحاته الثقافية تسبح خارج دائرة الإسلام .
خلاصة القول في علاقة النخبة العصرانية بالإسلام
أن الإسلام في صورته الأصلية التي جاء بها القرآن والسنة ليس مرجع هذه النخبة
الذين يتعاملون الآن في الأونة الأخيرة مع مصادر الإسلام مع القرآن بالذات بما يسمى "بالقراءات المعاصرة في النصوص" هؤلاء يتعاملون مع الإسلام من خلال مناهج وافدة يعني هم يقرؤون الإسلام انطلاقا من مذهبيات أخرى وليس العكس فالإسلام هنا ليس مرجعية له لكنه موضوع ....
أخيرا –آخر نقطة في عناصر الاعترافات التي سقناها –
هي الإفلاس
(الفشل السقوط الأزمة ) هذه عناوين لوصف النخبة العصرانية .
النخبة العصرانية الآن ومنذ أكثر من خمسة عشر عاما تعلن كما يقول إيليا حريض :" تعلن بأن النتائج المفجعة التهور الهزائم العسكرية المتتالية الحكم المستبد الفشل في تحقيق الوحدة العربية النزاع بين أشقاء إلى درجة الإسفاف المخجل تصفية القضية الفلسطينية تفاقم شأن الطائفية انتهاك حرمة وحقوق الإنسان العربي استمرار تفشي الفقر السجل طويل ويكاد يحبط العزيمة ويقضي على الآمال والسبب هم المثقفون العصرانيون وعلينا أن لا ننسى أن مجموعة أهل الفكري هي البيئة التي يثقف منها السياسيون نحن إذا مسؤولون ونحاسب على ما جنته أقلامنا "
المثقف العربي كما يقول صلاح الدين الجورشي :"يشعر على انه غير قادر على التأثير في الواقع وأن كلمته غير مسموعة بل غير مفهومة وأن علاقته بالعصر قد اختلت وبالجمهور قد اختلت هي أيضا
عبد الوهاب بو حديبة :"أنه ليس لنا في البلاد العربية مصداقية وبما أنه ليس لنا مصداقية فإنه ليس لنا فاعلية "
إفلاس وانهيار يكاد أ يحبط العزيمة كما قال إيليا حريض ويحطم الأمل
فادي إسماعيل في كتابه( الخطاب العربي المعاصر)وهو دراسة نقدية للنخبة المثقفة يقول "لقد أخفقت العصرانية كما أخفقت العقلانية وهذا جزء من إخفاق الحداثة ككل في تجربية التقدم العربي وما التفكك السياسي والتورط الثقافي والحروب الإقليمية والطائفية والتبعية الاقتصادية والصعود السياسي وإقصاء التيار الديني ما كل ذلك إلا عناوين دالة على هذا الإخفاق الكلي "
إذن أخفقت سقطت النخبة العصرانية وسقطت معها مشروعاتها القومية الناصرية أبو رقيبية البعثية الاشتراكية الخ .
بعد هذا السقوط لدى النخبة العصرانية ما هي حالته ما هي وضعية النخبة العصرانية بعد سقوطها ..."ليسوا سواء"
المسالك التي اتجه إليها العصرانيون بعد فشل عصرانيتهم
لقد اختلفت مساراتهم وتفاوتت في الآونة الأخيرة هناك فئة من هؤلاء المثقفين العصرانيين ؟؟ تشهد لهم جهودهم ومواقفه وتطهرهم من هذه الوضعية المقيتة التي عليها النخبة العصرانية بشكل عام يعني لديهم نزاهة علمية فيهم إخلاص للأمة فيهم احترام نوعا ما لقيم الإسلام عندهم شيء من الإبداع الفكري على الأقل هؤلاء موجودون نعم ليسوا كثير لكنهم موجودون . (مثل برهان قيوم – عبد الإله برقزيز – كاثلي جدعان – محمد جابر الأنصاري وغيرهم ...ومازالوا يقدمون حتى الآن العصرانية مازالوا جهودا..
هناك من الفئة يواصلوا دفاعهم العصراني السابق على الرغم من انكشاف زيفه وفساده إلا أنه واصل عملية إغراق المجتمع العربي في التغريب ووقف في وجه المد الإسلامي والصحوة الإسلامية واندرج في موقف العولمة التي يتصور أنها إنقاذ له بعد أن اكتسحت الصحوة الإسلامية في فترة مضت الساحة وأصبح وضع شذوذ في مجتمعه جاءت العولمة التي تمثل كما يتصور عامل إنقاذ له فيما تسعى هذه العولمة من تغريب المجتمع كله يعني إلى تحقيق المهمة التي كان يقوم هو بها .
هناك من هؤلاء المثقفين من انسحب من الساحة يعني توقفت أو كادت جهوده الثقافية ربما لشعور بالخيبة كما يقول عبد الإله برقزيز .أو ربما لأنه لا يريد أن يتمادى في عملية فاشلة، وربما نوع من بقايا الحياء لديه أن يواصلوا العمل مع قيادات مكشوفة الفساد أو غير ذلك المهم أن موقفه هو موقف الانسحاب.
هناك من هؤلاء المثقفين من وقع في الإدمان –يعني أصابه نوع من الوساوس من هول النهاية التي وصل إليها فلم يجد أمامه إلا مجالا للهروب من هذا الواقع الذي حل به إلا حالة التماس أو حالة "حالة أخرى هي حالة الانتحار " وقد كثرت في الآونة الأخيرة منذ عشرين تقريبا دعوات بعض المثقفين إلى –انتحار المثقفين – يدعون المثقفين أن ينتحروا أسوة بعض الغربيين الذين يفشلون في بعض الأعمال العسكرية ونحوها ثم ينتحرون ...وقد انتحر مجموعة من هؤلاء المثقفين ولهذا كتب محمد جابر الأنصاري المثقف البحريني كتب كتابا عنوانه –(ظاهرة انتحار المثقفين العرب ) .
وهناك كذلك محمود عبد الفضيل في بحث له أيضا حول هذه القضية ذكر مجموعة من المثقفين العرب اعتبر أنهم منتحرون مثل جمال حمدان من مصر محمد حسن من العراق وغيرهم .
هناك من المثقفين العصرانيين من هجر موقعه الثقافي وهاجر نحو مجالات الأدب وبالذات الرواية من أجل أن يعبر عن ما يريد من خلال الرمز الذي يحتمي به من سطوت المجتمع ومنهم من هاجر هجرة حقيقية نحو المجتمعات الثقافية من أجل أن يحتمي بها أيضا من سطوة هذا المجتمع الذي انقلب عليه واسقط مشاريعه .
ومن هؤلاء من انقلب على وجهه الثقافي فالتحق بطوابير العمالة (أي بالمخابرات الأجنبية ) أو بمشاريع العولمة ضد مجتمعاتهم وأمتهم .
هناك فئة من المثقفين العصرانيين وقع في تصوره أن سبب فشل مشروعها الثقافي العصراني هو أنه تقاطع مع التراث وأنه كان يرفض التراث بشكل مجمل وان هذا التراث جعل الناس يتشبثون به فأصبح الناس تراثيين وأصبحت تلك المشاريع الوافدة مشاريع ناشزة غير متحدة مع الناس غير مقبولة لديهم لهذا اتجهت هذه الفئة من العصرانيين نحو حل هذه المشكلة فقال ينبغي أن ننادي بالعودة إلى التراث ونتعامل معه نقول للناس نحن لدينا تراث ..الخ ، وتعاملهم مع التراث أخذ صور عديدة لدى بعضهم إما صورة النقد الهدمي للتراث لما في التراث من مقولات ومواقف منطلقة من مسلمات ويقينيات أحيانا كما عند الجابري هشام جعيث وغيرهم أو تعاملوا مع التراث بانتزاعات انتقائية فهم يرجعون مثلا إلى المعتزلة لإثبات العقلانية حرية الإنسان الفكرية يرجعون مثلا إلى القرامطة وثورات الزنج مثلا لإثبات اشتراكية التراث العربي وهكذا .
المهم أن دور التراث هنا هو أن يقوم موظفا لخدمة مذاهب لديهم ( مذاهب عصرانية ) يعني التعامل مع التراث بهذه الصورة هو تصفيته هدف تسويقي لما عندهم .
هذه الفئة التي اتجهت إلى التراث وفق دراسات مختلفة هي أوسع وأضرس فئات المثقفين العرب العصرانية الآن لأنهم هم أصحاب المشاريع الكبيرة والجهود الضخمة مثل محمد عابد الجابري - حسن حنفي - طيب تيزيمي- لكي زكي محمود – محمد عروس – محمد الكوري وغيرهم كثير .
هناك من الفئات من رجعت إلى دينها إلى إسلامها وأيقنت أن الإسلام ليس مجرد دين تاريخ أدى دورا في عصر سابق وانتهى ولكنه دين يحمل حركة نقلة لأمته ،طبعا هؤلاء الراجعون في الإسلام من النخبة العصرانية متفاوتون ليسوا صورة واحدة بعضهم استطاع أن يملك نوع من الصفاء الفكري يعني نوع من الإسلامية الجيدة فكريا أو ثقافيا وبعضهم رغم صدقه في العودة إلى دينه إلا أنه لم يستطع أيتخلص من آثار الفكر العصراني عليه طبعا هذا الرجوع من قبل النخبة العصرانية ليس موقوتا بالسقوط الذي حدث منذ العشرين سنة الأخيرة ...لا ، هو حركة فردية منذ بدأت الحركة العصرانية في العالم العربي لكنه كثر واتضح بعد ذلك حتى قال جمال بارود :" هذا الخطاب الإسلامي هل يمكن أن يكون الخطاب العربي الذي لاسيما بعد أن رأينا من نزوح وتحول لبعض الفئات الماركسية وخصوصا المادية باتجاه الإسلام وتأكيد ترابط الإسلام والعروبة من طرف اتجاهات القومية
من نماذج هؤلاء الراجعين ( منصور فهمي ) الذي كان يقول عن نفسه ملحد الذي قال بعد أن قرأ صحيح البخاري :" وجدت أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من كل فلسفة ولذلك أن أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ".
أيضا من هؤلاء محمد حسين هيكل – إسماعيل مظهر الذي كان يدعو للإلحاد قبل أن يتوب – خالد محمد خالد وهو مشهور الذي كتب كتاب من هنا نبدأ أظهر فيه العلمانية المغالية رافضة للدين ثم هو بعد ذلك صاحب الكتب الإسلامية (رجال حول الرسول) مثلا وغيرها
من هؤلاء مثلا محمد جلال كشك الكاتب الإسلامي الذي كان أمين الحزب الشيوعي المصري في وقت مضى
من هؤلاء منير شفيق الذي كان عضو في الحزب الشيوعي الأردني ثم هو صاحب المؤلفات الإسلامية الصافية الآن
من هؤلاء جلال أمين الذي تنقل البعث والمركسية والوضعية ثم عاد بعد ذالك للإسلام من هؤلاء محمد عمارة ،عبد الوهاب المسيري ، طارق البشري - عادل حسين - عبد الرحمن بدوي المفكر الوجودي المشهور الذي قال قبل وفاته بشهرين:" أشعر الآن بالحاجة إلى من يغسلني بالماء الصافي الرقراق لكي أعود من جديد مسلماً حقاً إنني تبت إلى الله وندمت على ما فعلت "ومن هؤلاء ،زكي نجيب مكفي
انتهينا من المسالك التي اتجه إليها العصرانيون بعد فشل عصرانيتهم .

(9) النخبة الإسلامية والمستقبل
النخبة الإسلامية هل هي مؤهلة لتقوم بعملٍ قيادي ثقافي ناجح للأمة الإسلامية والعربية مستقبلا ؟خاصة في هذا الوقت الحرج لأن الوقت الحالي يضغط عليها أن تقوم بهذه المهمة شاءت أم أبت لأنه أولا النخبة العصرانية فشلت بالتالي تخلت الأمة عنها . ثانيا لأن جوانب النهضة التي حاولت أن تمارسها المجتمعات العربية والإسلامية بمعزلٍ عن الجانب الثقافي مثل التنمية التقنية التصنيع التنمية الاقتصادية هذه الجوانب فشلت أو في طريقها للفشل لأن التنمية الحقيقية الناجحة لابد أن تقوم على تنمية ذاتية أو ثقافية هل النخبة الإسلامية مطابقة للمطلوب ؟ الجواب
عندما ننظر إلى واقع النخبة الإسلامية الآن وحالة الأمة بشكل عام قد يكون التشاؤم واردا لكن النظر إلى المستقبل يرفع مؤشر التفاعل لأن هذه النخبة ستفلح في تجاوز جوانب النقص وقيامها بالريادة الحضارية . وذلك لعدت أسباب :
1- أصالة مرتكزها الذي تنطلق منه وتعول عليه وهو الإسلام والوحي القرآن والسنة .
2- تجاوب الجماهير معها واستعدادها للتلقي من هذه النخبة .
3- التطور الملحوظ حتى وإن كان بطيئا نوعا ما في منهج هذه النخبة وأساليبها .
4- قدرتها على توليد قيادات متتالية ومنوعة عبر تحولات في الفترة فهي توجد وعاظ توجد مفكرين بين العامة توجد أناس يتعاطون مع السياسة وهكذا .
5- إجابتها جيدة مع متجددات الحاضر وخاصة الانفجار الإعلامي والاتصالي والتعامل مع الفضائيات ومع المواقع الشبكية .
6- المبشرات المتواترة سواء على مستوى الأمة الإسلامية أو على العالم ككل لكن هذا التفاؤل أو الطموح المستقبلي عندنا بهذه النخبة مشروط بمتطلبات كثيرة ، ومن أهم هذه المتطلبات
شروط نجاح النخبة الإسلامية في قيادة الأمة الإسلامية نحو النهوض الحضاري
1- ما يتعلق بمرجعية القرآن والسنة للنخبة الإسلامية : هذه المرجعية مسلمة من قبل الإسلاميين ككل ولكن المشكلة هنا هي ( تحرير منهج العلاقة بهذه المرجعية ) ما هو المنهج السليم للتعامل مع هذه المرجعية لاستمداد المبادئ والقيم والأحكام ومن ثم صياغة الحياة بها من القرآن الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لابد من صياغة هذه المنهجية بصورة محكمة ليس فقط للعام الشرعي المتخصص ، بل للعالم الشرعي وللمفكر وللداعية بحيث تكون مسلك فكري عام لكل من يعمل لصالح الأمة هذا شرط من الشروط .
2- لملمة عناصر التشتت في هذه النخبة لأن هذه النخبة ما زالت في حالة تشرذم سواء على مستوى أفرادها أو على مستوى مؤسساتها أو على مستوى أعمالها كل واحد يعمل دون أن يلتقي مع الآخر أن ينسق معه أن يبني على ما قدمه داعية أو عالم آخر إذن لابد من تقارب وتنسيق ، ينتهي هذا التنسيق والتقارب إلى مشروع لهذه النخبة بكل أطيافها وألوانها ودعاتها وعلمائها ومفكريها مشروع عام كل واحدٍ يصب فيه بقدر جهده بقدر رؤيته ونحو ذلك.
وهذا لشرط مازال لم يتحقق بعد ..مازال بعض الأفراد في النخبة يزدري الآخر وما زال بعضهم يتضخم على ذاته ويرى أنه هو الإسلام وأن من خالفه خالف الإسلام وهذا خلل في الشخصية الثقافية لدى هذا النوع من المثقفين الإسلاميين ولهذا ينبغي أن يحسن هؤلاء المثقفين بأن يصوغوا أنفسهم صياغة جديدة لأن هذا نوع من مرض النفوس وفساد الإخلاص فيه ينبغي أن يصححوا نياتهم وصدقهم بالتعامل مع دينهم .كذلك ينبغي أن يفقهوا دينهم لأن فقه الدين هو الذي يستوعب سعة الشريعة ويسرها ورفعها الحرج .
3- الجدية في الاجتهاد والتجديد بحيث يكون هذا الاجتهاد أو التجديد بشكل شامل ليس في الجزئيات فقط يعني الاجتهاد في قضية من القضايا الفقهية هذا مطلوب لكن ينبغي أن يكون الاجتهاد أضخم من هذا ينبغي أن يكون الاجتهاد في مفاصل الحياة الكبرى ينبغي أن تقدم نظريات في السياسة في الاقتصاد في الإعلام في الفن في التنمية في المواطنة في وحدة الأمة في العلاقات الدولية هذي القضايا الكبرى لأن ينبغي أن تقدم فيها نظم أو نظريات قائمة على منهج الإسلامي ينبغي أن يجهد المثقفون الإسلاميون أنفسهم من خلال علمائهم مفكريهم دعاتهم ليقدموا هذه السياقات في هذا المجال .
4- الانفتاح على مستوى قوى الأمة ينبغي أن تنفتح على المجتمع على النخبة السياسية على النخبة العصرانية ، أن تحدد القواسم المشتركة لها مع مختلف الأطراف وأن تبين لمختلف الأطراف ما هي منطلقاتها بصفتها نخبة إسلامية ما هي أهدافها ما هي برامجها أن تقدمها للآخرين بحيث يطمئن الآخرون على أنفسهم وعلى المصالح المشروعة من جهة وبحيث يسهمون معها في المجالات المشتركة بينهم وبينها وينبغي ألا يأخذ الإسلاميون الأطراف الأخرى على أنها دائما في صفٍ مخالفٍ تماما هذا ليس صحيحا مثلا النخبة العصرانية والتي تعتبر من ابعد الفئات للنخبة الإسلامية نعم من هذه النخبة من هو سفيه من هو مكابر من هو منافق وبالذات للنخبة الإسلامية لكن هناك فئات أخرى من النخبة العصرانية لديهم عقلانية عندهم روح تعاونية عندهم ولاء لأمتهم عندهم نوع من المرونة الفكرية ومن ثم ممكن اللقاء مع هذا النوع من العصرانيين يمكن الحوار معهم يمكن الاستفادة من طاقتهم من خلال الحوار بالتي هي أحسن والتثاقف المتبادل والإنصاف في الأحكام .
الآن انتهينا من القسم الأول من المنهج وهو المثقف الآن نبدأ بموضوع الجهد الثقافي للمثقف الإسلامي .طبعا ثقافية المثقف المسلم تتبلور في عنصرين
1- الإسلامية. 2- الواقعية.
وما لم يكن متوفرا في المثقف المسلم هذين العنصرين فإنه يخرج من دائرة المثقف المسلم لأنه إن فقد الإسلامية فهو مثقف لكنه ليس إسلامي وإن فقد الواقعية فإنه إسلامي ولكن ليس مثقف بل عالم نظريا أو متخصصا في علم شرعي لغوي إنساني إلى آخره لكنه ليس مثقف .
إذا فإنه لابد من الإسلامية من جهة والثقافية من جهة أخرى ...كيف يشكل المسلم نفسه ليصبح مثقف مسلما ما هي الركائز التي لابد من تحقيقها في المثقف المسلم ، هناك أربعة أسس تحقق ذلك:
1- الصنعة الفكرية . 2- الإيمان بالإسلام بصفته مرجعية للثقافة . 3- فقه الدين .4- حب الله .
نعم هي كبيرة وقضايا ضخمة تحتاج إلى جهد لكن هذا ليس صعبا وليس من المستحيلات الإنسان الآن وكما نرى حينما يريد أن يذهب إلى دولة من الدول ليعيش فيها سنة أو سنتين يأخذ أحيانا سنة كاملة لدراسة لغتهم إذا أراد أن يدخل في وظيفة معينة قد يأخذ عدة دورات في مهاراتها إذا ليس صعبا عل إنسان يريد أن يتبوأ موقع مثقف مسلم أن يبذل جهدا ووقتا من أجل امتلاك هذه العناصر الأربعة الضخمة المهمة .لن نتكلم عن جميع هذه العناصر لكن سنأخذ جزئية عن العنصر الثاني الذي هو مرجعية الإسلام في ثقافية المثقف المسلم ، هناك عدة صور لتحقق هذه المرجعية في ثقافة المسلم
التوحيد : التوحيد هو جوهر الإسلام بل هو جوهر الوجود كله لأن الكون كله قائم على العدل { ربنا ما خلقت هذا باطلا } بل بالعدل والتوحيد هو العدل والشرك هو الظلم هذا التوحيد بهذه الصورة التي تقتضي قضايا فكرية ونفسية وحركية والتمايز بين الخالق والمخلوق الوحدانية ليس هناك في الوجود واحد إلا الله سبحانه وتعالى أما الوجود الباقي كله فهو اثنان. فينبغي للمثقف المسلم أن يجعل قاعدته التي تقوم عليها ثقافته هي التوحيد وينبغي على المثقف المسلم أن يبث التوحيد في كل عناصر ثقافته التي يعطيها الناس . ليس فقط عندما يتحدث عن العقيدة حتى عندما يتحدث عن الأشياء عن القيم عن السلوك عن الأحداث أي مجال يتحدث فيه يكون حديثه منطلقا ومرتكزا على التوحيد ..كيف ذلك؟
نعطي أمثلة على ذلك ونسميها تجليات التوحيد في الجهد الثقافي للمثقف المسلم :
1- التعامل مع الأشياء ومع الأحداث في هذا الوجود تعرفا عليها ودراسة لها من خلال العلم بمصدرها الذي خلقها وهو الله سبحانه وتعالى والذي دبرها بعد أن خلقها دائما عندما يتحدث عن شيء في هذا الكون عن جمادات عن نباتات عن حيوانات عن إنسان عن أحداث تجري ينبغي أن يقوم نظره فيها على أساس العلم بمصدرها {ألا له الخلق والأمر } { الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } ولذلك القرآن يؤكد هذه القضية دائما قال الله تعالى في سورة النحل في أولها {خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يصفون خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين والأنعام خلقها } كلمة خلق تتكرر للتذكير بالمصدرية ..فالمصدر هنا أهم من الشيء ذاته . فمعرفة الأصل تأثر في معرفة الذات بل أحيانا هي أهم من معرفة الذات . وهكذا يدخل التوحيد في كل ما يتعامل المثقف معه .
2- أيضا من تجليات التوحيد في جهد المثقف المسلم : ربط الناس بالله سبحانه وتعالى من خلال القيم التي يعيشونها من حيث ربطها بصفات الله من أجل أن يتفاعل الناس معها بهذا الشعور نعم المثقف المسلم هو يدعوا الناس إلى الصدق والبر والكرم والفضل لكن حينما تربط هذه القضايا بالتوحيد فتقول الله سبحانه وتعالى يتصف بأنه بالصدق فينبغي أن تتصفوا بهذه الصفة أيها الناس{ ومن أصدق من الله قيلا } { ومن أصدق من الله حديثا } ينبغي أن تتصفوا به لا شك أن وقعها يكون أكبر حينما تتشبه بالله في هذه الصفة نعم الله سبحانه وتعالى له جلاله و قيوميته وله ما يليق به وأنت أيه العبد لك ما يليق بك ويناسب وضعك ولهذا الإنسان كل ما كان أكثر التزاما بصفات الله عز وجل في خلقه كان أقرب إلى الله وأحب إليه لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يدعوا إلى القيم في حياة الناس يربطها بصفات الله عز و جل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميلٌ يحب الجمال ) الجمال في الإنسان في شكله في مظهره في أخلاقه وقوله : ( إن الله طيبٌ يحب الطيب ، نظيفٌ يحب النظافة ، جواد يحب الجود ،كريم يحب الكرم )( الله حيي سترٌ يحب الستر ) وهكذا
طبعا صفات الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالتفاعل العبد معها نوعان
النوع الأول : هو الذي ينبغي للعبد أن يتمثله ممثل ما ذكر صفة الجمال العدل الجود الكرم الصدق الخ .
النوع الثاني : إما أنه يستحيل على العبد أن يتمثله حتى لو أراد مثل صفة القيومية فهل يمكن للعبد أن يكون قيوميا أي قائما بنفسه مستغنٍ عن غيره لا يمكن أن يكون هذا وهناك صفات أخرى يمكن أن ينتحلها العبد ولكنها لا تجوز له مثل صفة الكبرياء صفة الجبروت القهر في هذا النوع من الصفات المستحيلة وغير الجائزة ينبغي للعبد أن يتفاعل معها من خلال دلالاتها بالنسبة له فمثلا صفة القيومية ينبغي أن تجعل العبد يتجه إلى الله يلوذ به يعول عليه وصفة الجبروت تجعل العبد يخشى الله ويحاول أن يجانب مساخطه وهكذا .
3- النظرة التفاؤلية في حركته الثقافية وفي الحياة بشكل عام وسبب هذه النظرة التفاؤلية أن المسلم بحكم إيمانه بالله ومن حكمته وإحاطة علمه وبحكم إيمانه بالله سبحانه وتعالى فإن التفاؤل يغمره فهو يؤمن أن وراء كل الأحداث حِكم ، وأنه ليس في أفعال الله ظلمٌ أو غدرٌ تعالى الله عن ذلك . نعم قد تكون الحكمة غير ظاهرة فنرى أن هذا الشيء مصيبة وأنه ضرر لكن تتكشف الأيام عن أمرٍ آخر {وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}{ وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم }وقد لا يدرك العبد الحكمة أبدا لكنه يوقن أنه نفعا مثال قصة الخضر مع موسى خرج من البحر فوجد غلمان يلعبون قام الخضر وقتل أحدهم غلام صغير بريء قطا النظرة الظاهرة أن شر وانه بلاء ومصيبة لهذا الطفل الذي حرمه نعمة الحياة ومصيبة بنسبة لوالديه خاصة أنه ليس لديهما إلا هذا الولد لكن النتيجة عندما تكشفت الأمور تبين أنها خير للشخص نفسه ولوالديه وللمجتمع { أما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما } وهكذا المؤمن موقن بأن وراء كل الأحداث التي يجريها الله في الكون حكمة .
4- ارتباطه بالله سبحانه وتعالى وشعوره بمعية الله سبحانه وتعالى فالله مع المتقين والله مع المحسنين والله مع الذين آمنوا وهذا الشعور بهذه المعية يجعل آمانا نفسيا وأمان فكري لدى هذا الإنسان المثقف يجعل عنده رداء عنده أمل مهما احلولكت الحياة وتأزمت الأمور وأظلمت الدنيا فإنه يرى النور من وراء السبيل وهذا المنطق الإيماني الإسلامي معاكس لمنطق أولئك الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن ثم فالحياة عندهم هي نكبة بذاتها والإنسان في حالة شقاء متواصل فيها نهايته العدم وحتى الذين يضعف إيمانهم من المسلمين يقعون أيضا في حالة من اليأس والقنوط ومن النظرة السوداوية للحياة ولهذا نجد أنهم يكادون يبثون اليأس في الأمة في أن تحقق ظهور حضاري لأنهم انقطعوا عن الله سبحانه وتعالى وتعلقوا بالأمور المادية فصاروا يقارنون وضع الأمة المادي بالأمم الأخرى فأصيبوا باليأس . طبعا ليس معنى ذلك بالنسبة للمثقف أنه ينكر واقع الأمة المتردي أو انه يسعى لتخدير الأمة عن إدراك عللها لا ليس هذا طبعا لكنه يرى العكس يرى أمامها الحجر العارضة في طريقها ولكنه يتجاوزها بنظره نحو القصد الذي يتجه إليه .
5- أيضا من تجليات التوحيد في جهود المثقف المسلم الكرامة الإسلامية طبعا الكرامة الإنسانية هي لغة العصر الآن كما نعلم قضية حقوق الإنسان . حقوق الإنسان في نظر العالم مبنية على كرامة الإنسان لماذا نرعى حقوق الإنسان لأنه مخلوق مكرم هكذا تقول ديباجة الإعلام العالمي لحقوق الإنسان لكن كيف تتحقق هذه الكرامة المسلم فضلا عن المثقف المسلم يوقن أن كرامة الإنساني لا يمكن أن تتحقق بصورتها السامية إلا من خلال تجريد التوحيد لله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تتحقق كرامة الإنسان بدون هذا التوحيد أبرز مظاهر الكرامة الإنسانية كما نعلم هي الحرية إذا قيدت إنسانا بسلاسله مهما أنعمت عليه بالغذاء والدواء والكساء ونحو ذلك فإن حياته لا طعم لها ومن الذي يحقق للإنسان هذه الحرية بصورتها الكاملة هو التوحيد فقط هو العبودية لله عز وجل لأنها هي التي تحرر الإنسان من عبودية أهواه وشهواته ومن الشيطان ومن تحكم البشر سواء كانوا من رجال الدين أو من رجال السياسة أو من صناع الموضة والأزياء وغير ذلك . فالتوحيد هو الذي يحرر الإنسان من كل هذه العبودية .وإن لم يكن الإنسان موحدا فإنه سيقع حتما في ضروع هذه المعبودات أو لبعضها .حينما كان سعد بن أبي وقاص ذاهبا لملاقاة رستم في معركة القادسية أرسل له أحد الصحابة الذين كانوا معه أرسله برسالة واسمه ربعي بن عامر دخل بتواضعه العربي على فرسه القصيرة ومعه رمحه وأقبل على رستم وداس على الزبرجد الغالي المفروش وحينما سأله رستم بنوع من الاستفزاز والسخرية قال : نحن نعرفكم أيها العرب تأكلون الخنافس وتلبسون جلود الأغنام ما الذي أخرجكم من جزيرتكم قد يكون الجوع والجذب هو الذي أخرجكم فحتى لا نلوث سيوفنا بدمائكم نريد أن نعطيكم ما تأكلون وما تلبسون وترجعون إلى جزيرتكم ؟!ماذا قال ربعي بن عامر؟ الحوار الآن بين حضارتين ... حضارة مادية فارسية وحضارة جديدة إنسانية ألاهية قال ربعي بن عامر : " الله ابتعثنا ليخرج بنا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة " لاحظن الكلمات ثلاث مستويات المستوى الديني المستوى السياسي المستوى الحياتي بشكل عام .لاحظن هذا الأعرابي البسيط الفقير جاء يخرج صاحب التيجان المذهبة جاء يخرجه إلى سعة الدنيا أمر غريب .معناه أن هذا المسلم يفهم أن الحياة الدنيا حقيقتها ليست هذه المظاهر الشكلية أن هناك معنى للحياة آخر الفرس فقراء إليه ، و هو الذي يقود الحياة وهو الذي يعطيها قيمتها وجاءت حياة الإنسانية حياة القيم وليست حياة المظاهر الشكلية والاستعراضات العضلية .
إذن منهج المثقف المسلم هو أن يعزز الكرامة الإنسانية التي ينادي بها كل البشر من خلال منطق التوحيد الإسلامي .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ختاما
أسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العلم حجة لنا لا حجة علينا وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يوفق الجميع لما يحب و يرضى ، وأن ينصر إخواننا في فلسطين ويخذل الأعداء ويذلهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الاختبار الفصليهل المثقف هو العالم والعالم هو المثقف؟تكلمي عن الواقعية الاجتماعية من عناصر شخصية المثقفعرفي الثقافة لتايلور ؟ وتكلمي عن النقاط الخمسة الي تضمنها التعريف؟الامتحان النهائيماهي عناصر الثقافة وخصائص الثقافة؟ما المسالك التي انتهى إليها العصرانيون؟ماهي وظيفة المثقف؟تكلمي عن 4 من إيجابيات النخبة الإسلاميةدعوتي لكم ولي بالتوفيق
/ عددي عناصر الثقافة .2/ ما الفرق بين العالم والمثقف .3/ من عناصر شخصية المثقف الصنعة الفكرية تحدثي عنها ؟!1/ بيني العلاقة بين ..الثقافة والدين - الثقافة والتكنولوجيا التقنية .2/ الواقعية الاجتماعية من العناصر الأساسية لشخصية المثقف ، وضحي هذا العنصر .3/ وضحي الجهود الايجابية للنخبة العصرانية ، وبيني النهاية التي انتهت بالأمة إليها .4/ مما تعانيه النخبة الإسلامية المعاصرة "اضطراب المفاهيم" وضحي صورة هذه الأزمة .1/ بيني العناصر الأساسية لكل ثقافة . ووضحي الخصائص المنهجية لها .2/ وضحي وظيفة المثقف في مجتمعه وأمته .3/ بيني المسالك التي توزع عليها العصرانيون العرب بعد فشل مشروعاتهم العصرانية .4/ للنخبة الإسلامية المعاصرة جوانب إيجابية ، اذكري أربعة منها موضحة كل جانب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق